يقول المؤرخ الأمريكي دانيال بورستين: "إن العدو الأعظم للمعرفة ليس الجهل، إنما وهم المعرفة". ومهما بلغ الشخص من العلم فإنه يصاب به، لكن درجاته تتفاوت من شخص لآخر. ومن هنا وجب التفريق وتعريف المفهومين.
الجهل بدايةً نوعان: جهل بسيط؛ يعني أن الشخص غير عارف بموضوع معين، ويعرف أنه جاهلٌ به. والنوع الآخر هو الجهل المركب؛ ويعني جهل الإنسان بجهله، أي أنه لا يعرف أنه جاهل بموضوعٍ ما. أما فيما يخص وهم المعرفة فهو يأتي من امتلاك القليل من المعرفة وشعور صاحبها أنه يملك المعرفة الكافية والكاملة عن الشيء.
وينقسم وهم المعرفة إلى قسمين؛ ١- اعتقاد الإنسان أنه يعرف أكثر من معرفته الحقيقية.
٢- الاشتباه بين الإطلاع والمعرفة.
أظهرت دراسة نُشرت حديثًا، بواسطة ثلاثة علماء نفس في جامعة ييل، أن البحث الإلكتروني باستخدام الإنترنت يمنح الناس "وهمًا بالمعرفة". يبدأون في الخلط بين ما هو موجود على الإنترنت وما يدور في رؤوسهم، مما يمنحهم إحساسًا مبالغًا بذكائهم(1). لذا نجد أن سهولة الوصول للمعلومات في زمننا هذا هو أحد أسباب انتشار وهم المعرفة بشكل واسع بين مستخدمي الإنترنت والباحثين فيه.
"قد يعتقد البعض بأننّا نمتلك الإجابة على كل تلك الأسئلة العالقة في أذهان الناس فيبدأ بالتخيل أنه يعرف كل شيء ويبدأ بتميزه العقلي والتباهي بما قد لا يعرفه غيره. وعندما يرى من هو أعلم منه يبدأ بانتقاده دوماً، فواهم المعرفة يظن أنه يعرف كل شيء."
إن الجاهل أفضل حالًا بكثير من واهم المعرفة، فالأول يدرك نقصه ويسعى بالتالي لتحسينه، بينما الآخر لا يدري عن مدى جهله، بل ولا يؤذي فقط نفسه، لكن من حول يتأثرون أيضًا. إن البحث لا يكون في طرقات علمك، بل في طرقات جهلك حتى تستطيع ملئها. وإن المعرفة ليست حكرًا على أصحاب الشهادات بل هي وقفٌ لمن أراد منها. لذلك تعتبر أعلى درجات العلم؛ هي أن يدرك العالم جهله فَيتواضع. ولقد قيل الكثير سابقًا بمُتبجحيّ العلم، فذكر جبران خليل جبران: "طلبت الانفراد لكي لا أجالس ذوي نصف المعرفة الذين يبصرون في المنام خيال العلم فيتخيّلون أنهم أصبحوا من المدارك بمقام النقطة من الدائرة، ويرون في اليقظة أحد أشباح الحقيقة، فيتوهّمون أنهم قد امتلكوا جوهرها الكامل المطلق."