لا/ لا يجوز التداوي بما هو حرام وحرمه الله تعالى.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام). رواه أبو داود.
وفي صحيح مسلم سأل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع من الخمر علاج ودواء فقال له صلى الله عليه وسلم إنه ليس بدواء ولكنه داء
- فالتداوي بما هو محرم وما هو نجس أمر منكر ولا يجوز،
- وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى عن التداوي بما حرمه الله تعالى: التّداوي بالمحرّمات النّجسة محرّم؛ لأنّ الأدلّة الدّالّة على التّحريم مثل قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)،
وحديث: (كُلُّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ حَرَامٌ)، وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ) عامّة في حال التّداوي وغير التّداوي،
فمن فرّق بينهما فقد فرّق بين ما جمع اللّه بينه وخص العموم؛ وذلك غير جائز
وقال أن المعالجة بالمحرمات قبيحة شرعاً وعقلاً.
- فالله تعالى لم ينزل داء إلا وقد أنزل له دواء، ولم يجعل شفاء الأمراض بما حرمه على المسلمين.
فيجب أن يكون الدواء والعلاج مباحا وطاهرا، وينبغي على من أصابه المرض أن لا ييأس ولا يستخدم للعلاج ما حرمه الله تعالى وما يغضبه،
فعليه أن يبحث عن العلاج المناسب وليجتهد ويسأل الأطباء وأهل الاختصاص وليتصبر ويتحمل حتى يجد ما أحل الله له من الدواء.
وهناك حالات خاصة جدا أجاز أهل العلم لها التداوي بما هو حرام:
- فقد ذهب بعض أهل العلم ومنهم مذهب الشافعية أنه يجوز التداوي والعلاج بما حرم الله تعالى في حالة الضرورة وبشرط عدم وجود اعلاج والدواء المباح الطاهر وهذا في باب الضرورات التي تبيح المحظورات لما قاله الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) سورة الأنعام آية: 119.
فقد جاء في كتاب المجموع للإمام النووي: وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها فإن وجد حرمت النجاسة بلا خلاف.
كما قال وذكر صاحب الكفاف وهو مالكي المذهب: اتفاق أهل العلم على منع دواء باطن الجسد بالنجس والحرام واختلافهم في جواز ذلك ظاهريا من الجسد فقال:
وامنع دواء باطن الأجساد * بنجس واختلفوا في البادي.
كما أن هناك بعض من علماء الحنفية قالوا:
أنه إذا أخبر الطبيب والمعالج المسلم أن في نوع من أنواع الدواء المحرم شفاء للمريض، ولم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض فهو مباح وجائز وهو كما جاء به مذهب الشافعية وقطع به جمهورهم هو جواز التداوي بالمحرمات بسبب النجاسة - غير المسكر - إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي،
وكان الشخص المعالج عارفاً بالطب، ويعرف أنه لا يقوم غير النجس مقامه في المداواة، أو كان يعرف ذلك من تجربة سابقة له مع المرض، أو أخبره طبيب مسلم بذلك،
فقد روي عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: (إن رهطاً من عرينة أتوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضادنا، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلحقوا براعي الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صلحت بطونهم وأبدانهم، ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعث في طلبهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وأُلقُوا في الحرة يستسقون فلا يُسقَوْن) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين
وفي هذا الحديث نرى بأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهؤلاء القوم بشرب أبوال الإبل على سبيل التداوي مما أصابهم من مرض، وقد صحت أبدانهم بعد شربه، والتداوي - كما قال ابن حزم - بمنزلة الضرورة التي ترخص في تناول المحرم، ولا يعد تناوله في هذه الحالة محرماً؛ فإن ما اضطر المرء إليه فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب.
والله تعالى أعلم.