لطالما تساءلت حول الحاجة للفلسفة، إذ أنني كنت أراها مجموعة من الكلام المعقد، والذل لا أهمية له أبدَا. إلا أن الإقبال الكبير عليها الناجم عنه ذاك العدد الهائل من الفلاسفة العظماء الذين مروا عبر التاريخ، كان يجعلني في كل مرة أشكك بأفكاري حتى أعود لقناعة أن الفلسفة مجدية في مكانٍ ما لكن لا أدري أين!
إن الغرق كثيرًا بالتفكير يمكن أن يأخذك نحو أماكن بعيدة جدًا حيث لا تعرف للعودة طريق. فمثلًا؛ وصل ديكارت لدرجة التشكيك بكل شيء حتى وجوده، ولولا تفكيره لما كان وصل لأساس فلسفته. حيث يكفي اننا نفكر لنعرف أننا هنا وموجودين.
يعمل الفلاسفة على اكتشاف المفاهيم عن طريق ما يشبه الألعاب العقلية، وبذلك فهم يوضحون المشاكل ويوقظون حدس الناس. وإن اعتقد أن ذلك ليس بالشيء المفيد، فتأكد أن أمورًا أخلاقية كالموت الرحيم والإجهاض، والموت الدماغي لها علاقة وثيقة بالفلسفة. ولتوضيح ذلك، سأعرض عليك نوعًا من الألعاب العقلية:
إن كانت شركة ناسا قد طلب متطوعًا لتجربة آلة نقل عن بعد. تقوم هذه الآلة بنقل الجسم من مكانه إلى المريخ، أما كيف تعمل هذه الآلة، فإن ذلك يحدث عن طريق تدمير النسخ الأصلية للشخص وحملها إلى المريخ وإعادة تركيبها هناك. إن كنت لم تسمع هذا الكلام من ناسا، ووجدت نفسك في المريخ تحمل جسدك كاملًا ومشاعرك وذكرياتك، هل سيخطر لك انك نسخة ثانية من الأصل؟؟ إن شخصك الأصلي قد تدمر كليًا، لذا ما أنت عليه سوى نسخة طبق الأصل لا أكثر. أي أنك لست أنت!
أو افرض أنك تعرضت للاختطاف لمدة عشرين عامًا. وبعد ذلك قامت العصابة بنقلك عن بعد إلا سريرك سليمًا معافًى، ودون أن تدري بأي شيء، ثم سارت حياتك بشكل طبيعي جدًا. هل ستستطيع القول أنهم قتلوك؟ أو أنك تشعر أنك لست أنت؟؟
إن الانتقال عن بعد ليس أفضل بالطبع من البقاء على الحالة الطبيعية، إلا أنه بالمقابل أفضل بكثير من الموت!
ومن هنا تدري ما مفهوم الهوية الشخصية التي كان يفقدها كثير من الفلاسفة ويجلسون أعوامًا حتى موتهم يبحثون عنها.
يتساءل الفيلسوف دانيال دانيت حول إن كانت هوياتنا فقط معلومة لا أكثر. حيث يمكن نقلنا في الآلة كأي معلومة نستطيع نقلها على قطعة "USB". في حال نقل المعلومة عليها ووضعها في جهاز آخر، ثم مسح المعلومة الاصلية، هل نستطيع أن نقول أن المعلومة اختفت! بما أن الجواب هو لا، لذا لم نقف رافضين لمفهوم آلة النقل عن بعد! أهي فقط غريزتنا للبقاء أحياء؟
يقول البروفيسور كوركيرا الذي يستخدم هكذا ألعاب عقلية في محاضراته، أن أمور الهوية الشخصية ومعضلات البحث عنها إنما هي أساس متصل بمواضيع جدلية عميقة -كالتي ذكرتها سابقًا- من إجهاض وقتل رحيم وموت دماغي.
هل بدأت بأي شكل تعتقد أن للفلسفة أهمية؟