لكلّ منّا رائحة مميزة يحبها، ولكلّ منا رائحة غريبة أيضًا ينجذب لها. فهنالك الكثير من الناس الذين يحبون رائحة البنزين، أو رائحة التراب وما إلى ذلك من الروائح الغير مألوفة. لكن ماذا عن رائحة الكتب الذي يعشقها أغلبنا ونتعلق فيها، فما ترى شخصًا يحمل كتابًا إلا أن يقربه من أنفه ويستنشق رائحة صفحاته، قديمًا كان أو جديدًا.
أما لماذا نحب هذه الرائحة فلربما السبب في ميلنا لحب التراث والأمور القديمة، حيث أن هنالك دائمًا ارتباط غريب بين الكتب وبين أيام الزمن القديم. وسبب هذه الرائحة حسبما يشرح الخبراء هي الجزيئات الطيّارة التي نشتمها والتي تنتج من تفاعل المواد الكيميائية الموجودة في الورق والحبر والغراء الذي يستخدم لإلصاق الورق.
أُجريت الكثير من الدراسات حول سبب ميول الناس نحو رائحة الكتب، وبالذات تلك الكتب القديمة. فوجدوا أن مواد اللجنين والسيليلوز الموجودة في الورق المأخوذ من لحاء الشجر يتكسر مع مرور الزمن وعلى درجات حرارة منخفضة وينتج منها جزيئات تحمل روائح تشبه رائحة اللوز والفانيلا.
بالتالي، إن سبب الرائحة المنبعثة في الكتب هي المواد المستخدمة في صناعتها، وكلما زاد عمر الكتاب زادت قوة رائحته. وبالطبع تختلف أنواع المواد المستخدمة في صناعة كل كتاب، حيث أن لحاء الشجر المستخدم يختلف من كتاب لآخر. وتعلقنا بالكتاب ورائحته يعتمد على الروائح التي نحبها، وإن كنّا لا نشم الروائح الحقيقية في بعض الأحيان، إلا أن السبب في ذلك أننا لا نستطيع تحديد الرائحة بدقة لعدم معرفتنا لطبيعة المواد ومصدرها. في دراسة أجريت في متحف برمنغهام على رائحة كتاب قديم من عام 1928، وصف الناس الذين تعرضوا للرائحة أنها شبيهة برائحة الشوكولاتة، والقهوة، والكاكاو، والخشب المحترق.(1)
أما برأيي، فإنني أجد أن السبب الرئيس هو الميل العاطفي. فميلنا وحبنا للكتب وارتباطها بالماضي والذكريات هو ما يجعلنا نتعلق برائحتها ونحبها بهذا الشكل. حتى أن تلك الدراسات التي أجريت على رائحة الكتب كان الهدف منها هو تحديد رائحة التراث، حتى أنهم حاولوا مرارًا التوصل لرائحة محددة تمكّنهم من خلقها والاحتفاظ بها في زجاجة واستخدامها كل ما شعر الفرد منّا بالحنين إلى احتضان كتاب.