بداية أريد أن أجيبك على الشق الأول من سؤالك... جوابي هو "نعم" فقد سبق لي وأن شعرت بهذا الشعور قبل حوالي 5 أشهر، وسأقص لك قصتي وكيف تغلبت على هذا الشعور في السطور القادمة.
أما إجابتي على الشق الثاني من سؤالك فهي "ليس بالضرورة"، فلا يعتبر هذا علامة من علامات الاكتئاب إذا كان شعور عابر، فقد يحس به أي شخص خلال حياته أكثر من مرة، فللاكتئاب علامات واضحة وتستمر لفترة طويلة، وليس شعور عابر فحسب، فعندما تشعر بالاكتئاب تفقد رغبتك بممارسة واجباتك اليومية، وتحس أنك غير سعيد وليس هناك طريقة تشعرك بالسعادة، ويتأثر جسدك ونومك ونشاطاتك.
سأعود وأقص لك قصتي مع هذا الشعور وكيف تغلبت عليه...
قبل حوالي عام قررت أختي أن تنتقل إلى عمان هي وأولادها الأربعة لعلاج وتأهيل طفلها الذي يبلغ من العمر 8 سنوات ويعاني من ضمور في الدماغ -فالمراكز والكوادر هنا في الأردن أفضل بكثير منها في دبي- بينما بقي زوجها في دبي بسبب عمله، وبدأت بالعمل معها جنباً إلى جنب خلال رحلتنا لعلاج "عمر"؛ في البحث عن أفضل المراكز والأخصائيين، وكذلك أفضل الحميات الغذائية وأنماط الحياة التي تساعد عمر في تأهيله ليتعلم على الأقل مهارات الحياة الأساسية ليصبح استقلالياً قدر الإمكان. وبالرغم من كل الصعوبات التي واجهتنا خلال هذا العام بسبب جائحة كورونا وإغلاق المراكز وتحويل بعض الجلسات أون لاين، إضافة لتشتت الأسرة، والمسؤوليات الكبيرة التي ألقيت فجأة على ظهر أختي من تدريس أطفالها الآخرين أون لاين لأنهم كانوا في مدرسة في دبي وليس في عمان، وأيضاً اضطراري أن أكمل عملي من المنزل لأستطيع مساعدة أختي، وللتقليل من خروجاتي خارج المنزل حتى لا أحمل المرض وأنقله للطفل الذي كانت مناعته ضعيفة. علماً أنني كنت أعمل مسؤولة برامج في إحدى الإذاعات الأردنية، وكانت هذه هي فترة ذروة عملنا كإعلاميين؛ فكنت أعمل من المنزل حوالي 12-14 ساعة يومياً في بداية الجائحة، وحوالي 9-10 ساعات فيما بعد. ولأنني لم أستطع التوفيق بين عملي في الإذاعة وعملي مع عمر قدمت استقالتي من العمل، على الرغم أن علي التزامات مالية كثيرة، لكنني اخترت عمر وكنت متأكدة أن الله لن يتخلى عني إن لم أتخلى أنا عنه.
بعد كل هذه المعاناة أصيبت إحدى مدرسات الطفل التي كانت تعطيه جلسات في المنزل بالكورونا، وطبعاً أوقفنا دوامه وجلساته، ولكنني أكملت معه الطريق فأصبحت أدربه في المنزل وأرسل فيديوهات للأخصائيين ليشرفوا علي، وللأسف وصلتني العدوى بعد أيام قليلة فاضطررت أن أبتعد عن عمر حتى لا يصاب هو أيضاً بالكورونا، فسافر مع أسرته لدبي، وقرر والده أن تعود الأسرة للاستقرار هناك من جديد، وقال أنه سيبحث عن مركز جيد في دبي ليسجل عمر فيه هناك.
لا يمكنك أن تتخيل حجم الألم والحزن والمعاناة التي عانيت منهم حينها، فها أنا اليوم محجورة في غرفتي بين 4 حيطان، خائفة على كل من حولي من أن يصابوا بالعدوى، وخاصة عمر الذي سافر لدبي وقد يكون حاملاً للمرض في جسده الضعيف دون أن نعرف، ووالداي الكبيران في السن، كما خسرت عملي، وخسر عمر فرصته في العلاج والتأهيل بعد أن قطع شوطاً جيداً فيه وتحسن كثيراً، وبعد كل هذه المعاناة التي عانيناها خلال هذا العام العصيب. كنت أبكي ليل نهار وألوم نفسي أنني أنا السبب بما حدث مع عمر، فلو كانت مناعتي قوية لما انصبت وما سافر عمر، شعرت أنني تافهة وعديمة الفائدة. وأصبحت أتوسل لزوج أختي أن يرسل عمر لوحده على الأقل لاستكمال رحلته العلاجية وأنا سأتكفل به، لكن دون جدوى.
استمريت في الدعاء لربي أن يعود عمر ليكمل رحلة علاجه هنا، وقررت أن أستمر في حياتي بشكل طبيعي وأن أخرج من دائرة الكآبة التي وضعت نفسي بها حتى لا تضعف مناعتي أكثر ويطول مرضي، فمسحت دموعي وبدأت بممارسة التمرينات الرياضية وتمرينات التنفس، وقرأت كثيراً وحضرت دورات عديدة عبر الإنترنت، وبدأت بتأسيس صفحة مشروعي الخاص على الإنترنت، وقررت أن أبحث عن عمل في دبي لأكون قريبة من عمر وأساعده بقدر استطاعتي.
وفجأة قبل زوج أختي طلبي وأرسل لي عمر لوحده كي أرافقه في رحلته العلاجية، بعد أن فقد الأمل من وجود كوادر مؤهلة في دبي كتلك الموجودة لدينا في الأردن... وها أنا اليوم أرافقه يداً بيد وكأنه ابني.
ما أريد أن أقوله لك عزيزي...
- أعطِ لنفسك فرصة للتعبير عن مشاعرك حتى لو كانت سلبية، وأعطها وقتها.
- لا تقبل على نفسك أن تشعر بأنك عديم الفائدة أو حزين أو تعيس لأي سبب كان لأن هذا سيؤثر عليك سلبياً (على صحتك الجسدية والنفسية وعلى علاقاتك...)
- انهض وافعل كل ما يجعلك تعود ثانية للحياة.
- مارس الاسترخاء والتمرينات الرياضية، وتعرض باستمرار لأشعة الشمس التي تمنع الاكتئاب وتمنح الحياة.
- توكل على الله لأنه لن يخذلك إن لم تخذل أنت نفسك ومن حولك.
- أعطِ بنية التخلص من شعورك السيء هذا... فأنا كنت في عهد أن أعطي كل يوم شيئاً لأحد بنية أن يعود عمر وأن يتوفق في رحلة علاجه، فأحياناً كنت أعطي الماء لبائع الجرائد، وأحياناً حبة شوكولاته لطفل أقابله في الطريق، وأحياناً أعود للمنزل معي كيلو كنافة لأهل بيتي...
صدقني... لن يطول شعورك هذا كثيراً إن أنت قررت أن توقفه وتنهض، فانهض وعد للحياة.