قال أبيُّ بنُ كعبٍ رضي الله عنه: فقلتُ : يا رسولَ اللهِ، إني أُكثِرُ الصلاةَ [ عليك ] ، فكم أجعلُ لك من صلاتي ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "ما شئتَ " قال: قلتُ: الرُّبعَ ؟ قال: " ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك " قلتُ: النِّصفَ ؟ قال: " ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك" قال: قلتُ: ثُلُثَين ؟ قال: "ما شئتَ، وإن زدتَ فهو خيرٌ لك" قلت: أجعلُ لك صلاتي كلَّها. قال: " إذًاً تُكفَى همَّك، ويُغفَرُ لك ذنبُك " أخرجه الترمذي وأحمد، وحكم عليه الألباني: حديثٌ حسنٌ صحيح (( للنظر في تخريج الحديث انظروا موقع موسوعة الدرر السّنيّة المختصة بتخريج الأحاديث من هنا )) فالحديث صحيح .
وأما شرحه فكالتالي:
قول سيدنا أبيّ رضي الله عنه: " كم أجعل لكَ من صلاتي؟ " أيْ : كم أخصص لكَ من دعائي؟ فإن كلمة ( الصلاة ) في اللغة تعني: الدعاء.. كما في قوله تعالى: " وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ" ( سورة التوبة، الآية: 103 ) أيْ ادعُ لهم يا محمد فإن دعواتك راحة وسكينة لقلوبهم ونفوسهم.
ويقول الشيخ الأباني رحمه الله في تسجيلٍ له لشرح الحديث: أن معناها: كم أجعل للصلاة عليك من الوقت الذي خصصته للعبادة؟ انظر
هنا قوله صلى الله عليه وسلم : " ما شئت" فيه ترك الباب مفتوحاً للمسلم دون تقييده بعدد أو وقت أو قدر معين من الصلاة والسلام والدعاء لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يُترك الأمر للمسلم بحسب همّته وإقباله وجود نفسه للطاعة.. وكلما زاد في الصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان خيراً له.
وقد فهم سيدنا أبيّ ذلك حين حاور النبي صلى الله عليه وسلم في المقدار الأفضل والأكمل لما يخصصه له من دعائه.. أهو الربع مثلاً أم النصف أم الثلثين ... حتى علم انه كلما زاد كان أكمل وأفضل فاختار أن يجعل وقت صلاته ودعواته كله للنبي صلى الله عليه وسلم.
فكانت البُشرى والمكافأة لمن يجعل كل وقته المخصص للدعاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وُكثر ويجتهد في ذلك: أن يكفيه الله جميع همومه في الدنيا التي تشغله وتثقله فيرتاح منها، وتُغفر جميع ذنوبه فيرتاح في آخرته أيضاً من هموم أوزار الذنوب. فما أعظمها من بُشرى وما أجلّها من مكافأة، شملت الدنيا والآخرة!
والسؤال الذي يتبادر للذهن الآن: كيف نجعل دعواتنا للرسول صلى الله عليه وسلم؟
والحقيقة أن أفضل ما يدعى به للنبي صلى الله عليه وسلم هو الصلاة عليه، لأنها تتضمن الطلب من الله تعالى أن يُثني عليه في الملأ الأعلى، وتتضمن الدعاء بأن يجزيه الله عنا خيراً، وتتضمن ما هو أكثر من ذلك من الخير له صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه، فالأولى الإلتزام بها، مع عدم وجود مانع شرعي من الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بدعواتٍ عادية مناسبة مثل الدعاء له بأن يكرمه الله يوم القيامة، وأن يُعليَ ذكره وينصره في الدنيا والآخرة.. الخ.
كما وتجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة مناسبة ولو بقولنا ( اللهم صلِّ على سيدنا محمد ) أو غيرها مما هو أطول وأفضل، أفضل صيغ الصلاة على النبي صيغة الصلاة الإبراهيمية التي نقولها في التشهد .
ومن المهم معرفة أن هذا الحديث الشريف لا يعني أن يترك المسلمُ الدعاءَ لنفسه ولغيره بالخير، بل غاية ما هنالك أنه حث على الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبيان لفضلها
والسؤال الآخر الذي يتبادر للذهن هنا: هل يقول لنا النبي لى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن نفرغ وقتنا كله له لا لله وحده ؟!!
والجواب: بالطبع لا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ولن يدعونا للشرك بالله وتفضيل غير الله في عباداتنا، وإنما علينا أن نعلم أن الصلاة على النبي أصلاً عبادة، وقد أمر بها الله عز وجل في كتابه بقوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ( سورة الأحزاب، الآية: 56 )
والصلاة على النبي تعتبر من ذكر الله تعالى، كمثل التسبيح والتحميد.. ولكل نوعٍ من الأذكار فضله وثوابه.