لقد أمر الله تعالى ببرّ الوالدين والإحسان إليهما ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف والتحنن عليهما والتودد لهما وقرن ذلك بتوحيده وإفراده بالعبادة فقال تعالى:{وقضى ربك الّا تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحسانا..}. وهذا أمر رباني لكل مسلم مؤمن بالإحسان إلى والديه لكن يخلط الكثير بين مفهوم البر والإحسان ومفهوم الطاعة فالله تعالى لم يقل عليك بطاعة الوالدين في كل كبيرة وصغيرة بحيث لا يكون لك قرار واختيار في حياتك ولا كيان مستقل لذاتك. لا هذا ليس من أمر الله في شيء إنما هذا فهم خاطئ لأمر الله وتسطيح لمفهوم البر والإحسان. فمثلا أنت تريد أن تتعلم علم نفس أو فلسفة ووالداك يريدان أن تتعلم طب أو هندسة فلا ينبغي عليك أبدا في هذه الحالة طاعتهما بل تتعلم ما فيه عشقك وإبداعك وما من خلاله توصل رسالتك وتقوم بمهمتك.
وقِس على ذلك أمور الحياة الأخرى فالإنسان هو عبد لله وحده خلقه الله حراً لكن الكثير من الآباء والأمهات يحاولون استعباد أبنائهم وبناتهم والسيطرة على حياتهم وكأنهم تابعين لهم بالكلية ناسين أنهم عباد الله أولا نسبتهم إلى ربهم بالعبودية قبل ان تكون نسبتهم إليهم بالدم والقرابة الأسرية. وعلى الأبناء مداراة الوالدين وجبر خواطرهم ما أمكن إلى ذلك سبيلا لكن ليس على حساب سعادتهم وطموحاتهم في الحياة. ينبغي أن تكون المعاملة من الطرفين لله وفي الله وأن يحافظوا على المودة والمحبة في الله لأنها أوثق الروابط والعُرى كما نبّأنا الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بلا منتهى.