مقصر فاته خير كثير وقد يكون ممن خاب وخسر وإن لم يكن آثمًا.
صحيح أن صلاة التراويح سنة مستحبة وليست واجبة في رمضان؛ لأنها من قيام الليل، وقيام الليل ليس بواجب؛ لأن الله لم يفرض علينا سوى الصلوات الخمسة، ومن ثمَّ فمن ترك صلاة التراويح فإنه لم يترك واجبًا، والمسلم يأثم بترك الواجبات لا المستحبات. أقول لك كل هذا صحيح ولكن: تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ) رواه أبو هريرة.
فرمضان شهر اغتمام البركات والخيرات، وفتح أبواب الطاعات وتسهيلها والإعانة عليه،ا وإغلاق باب المعاصي وتضييقها. ومن فاته هذا الموسم ولم يستثمره على الرغم من كل هذه التسهيلات، فمتى سيقبل على ربه ليغفر له ذنبه، ويتوب من معصيته ويتفكر في حاله؟ فإدبار النفس عن الطاعة في هذا الشهر وبقاؤها على كسلها وفتورها وانشغالها بالتفاهات والمباحات أو المعاصي دلالة حرمان وخذلان من الله للعبد والعياذ بالله ، إذ لم يوفقه الله ويهديه إلى الإقبال عليه والوقوف بين يديه!
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث المتفق عليه أنه (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) فكيف تحرم نفسك هذا الأجر العظيم وتترك صلاة التراويح ؟كم ستأخذ صلاة التراويح من وقتك لو صليتها ثماني ركعات، وقرأت في كل ركعة صفحة من القرآن الكريم، ثم ختمت صلاتك بثلاث ركعات من الشفع والوتر؟ولن يزيد ذلك عن ساعة مع التدبر والاستراحة، أفلا تصبر على قيام ساعة بين يدي الله في الدنيا ،وأنت مقبل على قيام يوم مقداره خمسين ألف سنة؟ وإذا كان القيام يتعبك فصل قاعدًا؛ لأنها صلاة نافلة والنافلة تجوز صلاتها قاعدًا، ولو من القادر على القيام.
وإذا كنا نتنافس ونسارع إلى الأسواق عند سماعنا عن عروض سخية وكبيرة على المأكولات والمشروبات والألبسة وبضاعة الدنيا وهي سرعان ما تزول وتفنى وتستهلك، فأين مسارعتنا وتنافسنا على بضاعة الآخرة وعروضها؟!
فإياك أن تفوتك التجارة مع الله في هذا الشهر، وتكون من المحرومين المخذولين الذين لا ترتفع همهم عن الزيادة على الصيام في هذا الشهر؛ لأن عدم اندفاع نفسك للزيادة في الطاعة دلالة على أن الصيام لم يفدك حقيقة، ولم يؤثر في باطنك وكان نصيبك منه الجوع والعطش!
وعليك في هذا الباب بما تستطيع ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فمن كان مريضًا أو معذورًا، أو له عمل يصرف منه على عياله ويرهقه، فليصلِّ ما استطاع وكيف ما استطاع، والله يؤجره على نيته.
وأذكرك أخيرًا أن تارك صلاة التراويح لا يأثم، وإنما يخسر من تركها الأجر العظيم. ومن تركها وانشغل بالملهيات من مثل مشاهدة المسلسلات وتعاطي الدخان، والغيبة والنميمة، فهو قد جمع خسارتين؛ خسارة أجر القيام، وخسارة تضييع الوقت في ما لا ينفع.
نسأل الله العافية.