يعود السبب في هذا الأمر للطبيعة البشرية الاجتماعية وللحاجة للتفاعل الاجتماعي للإنسان، فنحن كبشر نعطي قيمة للأمور ضمن أطر معينة وتقدير الذات يأخذ قيمته من أطر التفاعل الاجتماعي، ولا يمكن أن ننظر لتقدير الذات بمعزل عن الجانب الاجتماعي حيث إنه مرتبط ارتباط وثيق بالإنجازات والسعادة والرضا، وهذه الأمور تضمن وجود أطراف أخرى.
والذات لها ثلاثة أنواع وهي الذات المادية والاجتماعية والروحية، ترتبط الذات المادية بالجسد والممتلكات والذات الروحية ترتبط السمات والصفات والتصرفات بينما ترتبط الذات الاجتماعية بالصفات التي يلحظها الآخرين وتشكل بطريقة معينة بنية معرفية مرجعية للشخص تمكنه من تقييم ذاته ونفسه، ويمكن القول بأننا وبشكل مستقل غير قادرين على تقدير ذاتنا لأننا خاطعين لمجتمع ولثقافة معينة وعادات معينة، ولا يمكن أن نسلخ أنفسنا عنها بأي طريقة من الطرق، فلا يمكن أن نجد لأنفسنا المعايير الخاصة التي تعطينا تقدير مستقل عن تقدير الآخرين.
ويشير هنا عالم النفس ابراهام ماسلو إلى أن تقدير الذات حاجة بشرية تتحقق عن طريق الحاجة لاحترام الآخرين والنجاح والإعجاب، بينما احترام الذات يكون مصدره ذاتي يتحقق عن طريق الثقة بالنفس وحب النفس وامتلاك المهارات المختلفة.
ويرى ابراهام ماسلو أن الشخص بطريقة فطرية يبحث عن تقدير الآخرين ليحقق نمو نفسي اجتماعي سليم، وأن هذه الأمر مدفوع بالحاجة للحفاظ على التقدير الخاص النابع من داخل النفس، وهنا يقول ماسلو بأن الصحة النفسية غير ممكنة إلا إذا قبل الآخرون التكوين الأساسي للفرد.
ونتيجة للطبيعة البشرية القائمة على التفاعل مع الآخرين فإن تقدير الذات سبب في أن يُرِ الشخص ما هو عليه ويعطيه قيمته الشخصية وبالتالي تحديد طبيعة علاقته مع الآخرين.
وحسب نظريات علم النفس فإن تقدير الذات مرتبط بالتنشئة الاجتماعية؛ فالشخص ومنذ الطفولة يكتسب الشعور بالقيمة نتيجة انتمائه للأهل والمحيط الذي يتواجد فيه، ومن ثم يكتسب قيمة الكفاءة لما يقوم به من إنجاز ضمن مجتمع محدد وضمن معايير عامة خاضع لها المجتمع أجمعبما يحقق تقدير الذات، وبالتالي يكون التقدير خارجي أكثر منه داخلي.
ومن ناحية أخرى وجدت دراسات علم النفس بأن تقدير الذات ينمو ويرتفع عند ممارسة بعض السلوكيات والمفاهيم والأفكار بطريقة إيجابية، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل بشكل مستقل وبمعزل عن التفاعل الاجتماعي.
وبالنظر للعناصر الأساسية المكونة لتقدير الذات والتي هي؛ الشعور بالهدف والشعور بالأمان والانتماء والكفاية الشخصية والشعور بالهوية الذاتية، نجدها جميعًا وبلا استثناء تتطلب تحقيق تفاعل اجتماعي بطريقة معينة.
ومن وجهة نظر شخصية أرى أننا غير قادرين على تقدير ذاتنا بمعزل عن تقدير الآخرين لأننا نكتسب المفاهيم والبنية المعرفية التي توجهنا في هذه الحياة عن طريقة الآخرين، فنحن نعطي معنى للنجاح نتيجة وجود مفهوم عام تم تناقله من جيل لآخر وكذلك الأمر بالنسبة للكفاءة والقوة والقدرة، فجميع ما نمتلكه من بنية معرفية تحرك سلوكنا هي مكتسبة من معيار خارجي عام وليس شخصي ذاتي، القبول الاجتماعي حاجة إنسانية فطرية لا يمكن أن ننكرها ولا بأي طريقة من الطرق والخضوع للمعيار العام سبب في جعل تقديرنا معتمد على الآخرين أكثر منه شخصي وذاتي، لا يعني هذا أننا لا نقدر ذاتنا بأنفسنا في بعض الأحيان لكن التقدير الغالب معتمد على المعيار العام المجتمعي.
ويمكن أن أقول إن الحاجة للشعور بالتميز سبب في جعل التقدير الآخرين معيار لتقديرنا لذاتنا فنحن لن نشعر بالتميز إلا بوجود نظره تدعم تميزنا ووجود سبب يظهر هذا التميز، ولا يمكن أن يظهر التميز بشكل ذاتي إلا في حال وجدنا مصدر داعم ملاحظ لهذا الأمر، فمثلا الرسام والذي يرسم بطريقة جميلة من وجهة نظره لن يرى تميز واختلاف في حال لم يلق الدعم من الآخرين، قد يكون تقدير الآخرين سبب في إعطاء القيمة للذات، وهذا أمر حقيقي نجده عن الطبيب والمعلم والمحاسب وغيرهم، فالأهمية والقيمة لما نقدمه من إنجاز والمقدمة من المجتمع المحيط سبب في تقديرنا لذاتنا.
المصدر: