لقد جعل الله الليل لراحة عباده وعلم أن ثمة خواص من عباده راحتهم في الصلاة بين يديه ومناجاته فجعل لهم خلوةٌ به كل ليلة وأباح لهم الوقوف بين يديه بلا حجاب ولا بوّاب وكشف لمن صدقَ منهم في الطلب عن قلبه الحجاب فرأى بعين قلبه من ذلك الجمال القدسي ما يحيّر العقول والألباب..
ويكفي أن نعلم أن القدوس ربنا جلَّ وعلا يتنزَّل كل ليلة إلى السماء الدنيا فينادي هل من مستغفرٍ هل من تائب؟ هل من طالب ذي حاجةٍ فأنيلهُ المطالب؟
فكيف لا نقوم من النوم ونلبي هذا النداء الذي يهتز له الوجود وكيف لا تشتاق قلوبنا وأرواحنا إلى الله الحبيب الودود؟
وقيام الليل هو من سنن الأنبياء والأولياء وعباد الله الصالحين فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بين يديه في جوف الليل ولقيام الليل حلاوة لا يعرفها إلا من ذاقها والمحروم هو من حُرمَ بذنوبه القيام بين يدي ربه في أحب الأوقات إليه .
وكان من عادة النبي صلوات الله وسلامه عليه أن يقوم الليل بإحدى عشرة ركعة حيث يسلم بين كل ركعتين ويوتر في الأخيرة فإذا حان وقت السحر جلس يستغفر. فلنقتدِ بالحبيب في قيام الليل لمن استطاع إلى ذلك سبيلا ومن لم يستطع فليصلَِ ما شاء من الليل وليجعل له وردا يداوم عليه كل ليلة فإنها أوقات التجليات والفيوضات وتنزّل الرحمات فطوبى لمن اغتنم تلك الساعات وعرّضَ قلبه لطيب تلك النفحات.