من هم الصحابة عند الأصوليين

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٧ ديسمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات
اختلف الأصوليون في تعريف الصحابي على مذهبين رئيسين  :

المذهب الأول : أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك ، طالت صحبته له أو قصرت  ، ولو كانت رؤيته له مرة أو مرتين .

وهذا المذهب يوافق مذهب المحدثين الذين لا يشترطون طول الصحبة والملازمة لاستحقاق صاحبه أن يعد من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام الذين اتفق الأمة على عدالتهم وقبول حديثهم وحبهم وموالتهم .

وهذا المذهب منسوب إلى جمهور الأصوليون كما ذكره الزركشي في كتابه البحر المحيط في أصول الفقه ، حيث قال "  ذهب الأكثرون إلى أنه من اجتمع مؤمنًا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وصَحـبَه، ولو ساعةً، روى عنه أو لا " .
وصحح هذا القول الآمدي وابن الحاجب وابن حزم رحمه الله .

المذهب الثاني : وهم الذين يشترطون طول الصحبة والملازمة لثبوت الصحبة لصاحبه ، فيشترطون علاوة أن يكون لقي النبي مؤمنا به ، طول ملازمته له ، أما من رآه مرة ولو كان فيها مؤمنا ومات على ذلك فلا يعد من الصحابة العدول .

وهذا مذهب بعض الأصوليين كالقرافي والمازري والغزالي ، ونسبه ابن الموقت الحنفي إلى جمهور الأصوليين ، والواقع أن جمهور الأصوليين على المذهب الأول .

قال الغزالي في المستصفى: “فإن قيل: القرآن أثنى على الصحابة، فَمَن الصحابي؟ أمَنْ عاصر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟  أو من لَقِيَه مرة؟ أو من صَحِبَه ساعة؟ أو من طالت صحبته؟ وما حدُّ طولها؟ قلنا: الاسم لا يطلق إلا على من صحبه. ثم يكفي للاسم من حيث الوضع [أي: اللغوي] الصحبةُ ولو ساعةً، ولكنَّ العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته، ويعرف ذلك بالتواتر والنقل الصحيح، وبقول الصحابي: كثرت صحبتي، ولا حدَّ لتلك الكثرة بتقديرٍ بل ْ بتقريبٍ”.

وقد رد ابن حزم رحمه الله هذا المذهب بقوله : 
" قد قال قوم: إنه لا يكون صاحبًا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، لكن من تكررت صحبته. قال أبو محمد: وهذا خطأ بيقين؛ لأنه قول بلا برهان، ثم نسأل قائله عن حد التكرار الذي ذكر، وعن مدة الزمان الذي اشترط؟ فإن حَدَّ في ذلك حدًّا؛ كان زائدًا في التحكم بالباطل، وإن لم يجد في ذلك حدًّا؛ كان قائلًا بما لا علم له به، وكفى بهذا ضلالًا. وبرهان بطلان قوله أيضًا: إن اسم الصحبة في اللغة؛ إنما هو لمن ضمَّته مع آخر حالة ما، فإنه قد صحبه فيها، فلما كان من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير منابذ له، ولا جاحد لنبوته، قد صحبه في ذلك الوقت؛ وجب أن يسمى صحابيًّا”

والأصوب - والله أعلم - هو المذهب الأول وهو عدم اشتراط طول الصحبة لثبوت فضيلة صحبة الرسول عليه السلام لصاحبها ، بل من لقي النبي مؤمنا ولو مرة في حياته ومات على ذلك فهو صحابي تثبت عدالته بذلك ويقبل حديثه .

وذلك أن حكم الصحابة وخصائصهم أمر يختص بالنبي عليه الصلاة والسلام وصحبه ، فيتلقى من جهة الشرع لا العقل والعرف ، وإذا اشترطنا طول الصحبة للنبي لن يعود لحد الصحابي ضابط معروف لأن طول الصحبة وقصرها أمر نسبي ، فيستطيع كل من رد أراد حديثا معينا أن يطعن في راويه من الصحابة بدعوى أن صحبته لم تطل !
فكيف إذا كانت أكثر السنة رواها أبو هريرة رضي الله عنه الذي لم يصحب النبي إلا في سنواته الأربع الأخيرة ، بينما أبو بكر رضي الله عنه الذي صاحبه طوال سني دعوته عليه السلام الثلاث والعشرين لم يرو عنه إلا القليل !
فالمذهب الثاني قد يكون فيه فتح باب لرد السنة جملة وتفصيلا ، والعياذ بالله .