جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن وغيرهم وله روايات عدة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وفي رواية الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ ، حتَّى إن كانَ مِنهم من أتى أُمَّهُ علانيَةً لَكانَ في أمَّتي من يصنعُ ذلِكَ ، وإنَّ بَني إسرائيل تفرَّقت على ثِنتينِ وسبعينَ ملَّةً ، وتفترقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ ملَّةً ، كلُّهم في النَّارِ إلَّا ملَّةً واحِدةً ، قالوا : مَن هيَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : ما أَنا علَيهِ وأَصحابي .
وهذا الحديث صححه جمع من العلماء وحسنه بعضهم .
وهذا الحديث واضح أنه سيقع في هذه الأمة - يعني أمة الإسلام على الراجح- ما وقع في الأمم السابقة من افتراق نتيجة الأهواء وستتفرق الأمة الواحدة إلى فرق ، وهذا الحديث يشهد له القران والواقع :
فمن القران قال تعالى ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) ( الأنعام ، 65 ) .
فإذاقة بعضنا بأس بعض هو من التفرق والتشتت والاختلاف الذي سيحصل في الأمة
روى الإمام أحمد في مسنده عن سعد بن أبي وقاص [ رضي الله عنه ] قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية : ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم ) فقال : " أما إنها كائنة ، ولم يأت تأويلها بعد " .
والواقع المشاهد أن الأمة افترقت إلى فرق بدءاً من ظهور الخوارج والشيعة في أواخر زمن الصحابة ثم ما بعدها من فرق كالمرجئة والمعتزلة وغيرهم .
وهذا الافتراق المذموم هو ما كان في المعتقد وخالف فيه أصحابه طريقة النبي عليه والسلام وأصحابه ومعتقدهم ، أما الاختلاف الفقهي فليس مذموما بإطلاق بل هو في بعض أشكاله رحمة ولا يضلل أو ينكر لأجله .
الفرقة الناجية :
والحديث يذكر بوضوح أن الفرقة الناجية هي من ثبت على ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من المعتقد كما جاء وصفهم في الحديث " من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي " ، وهذه الفرقة هي التي يسميها العلماء ( أهل السنة والجماعة ) :
- فهم أهل السنة لأنهم استنوا بالنبي يعني اقتدوا به وتابعوه في التوحيد والعقيدة والإيمان والأحكام ، فكانوا يأخذون عقيدتهم من نبيهم ومن حديثه ومن طريقته ، لم يخترعوا لأنفسهم قواعد أو أصول بنوا عقيدتهم على أساسها كما فعلت كثير من الفرق المبتدعة .
- وهم أهل الجماعة لأنهم تابعوا الجماعة وهم الصحابة والسلف الصالح ولم يخرجوا عن نهجهم وطريقتهم .
وكان الإمام أحمد رحمه الله يمثل رأسا لهذه الفرقة في زمنه لما وقف في فتنة خلق القران حتى صار الناس والعلماء بعده ينتسبون إليه في المعتقد .
الفرق الضالة :
هي باختصار التي خالفت طريقة النبي عليه الصلاة والسلام وسنته في الاعتقاد وكان لهم أصول في الاستدلال تخالف أصول الصحابة والتابعين وهي فرق كثيرة ، وحاول بعض العلماء جمع هذه الفرق وحصرها في 72 فرقة كما جاء في الحديث ، وهذا أمر اجتهادي في عدها مثل ما فعل ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس :
وأصول الفرق المبتدعة الضالة أربعة تفرعت منها فرق كثيرة وهي :
1. الخوارج : وهي أول الفرق المبتدعة ظهورا ، وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وقاتلهم علي وقتلهم ، وقد أخبر النبي بشأنهم ، وأصل معتقدهم تكفير المسلمين بالكبيرة والمعاصي والخروج على الأمة ، وقد تفرق عنها فرق كثيرة كلها تضلل بعضها .
2.الشيعة : وهم الذين فضلوا عليا وناصروه في مقابل من حاربوه ، بعضهم غلوا فيه حتى ألهوه وحرقهم علي ، وبعضهم كفروا الصحابة الذين قبل علي كأبي بكر وعمر ومن خالفوا عليا واتهموا عائشة بالزنا وهم المشهورين " بالرافضة " ، وبعضهم فضلوا عليا على غيره من الصحابة ولم يكفروا سائر الصحابة كالزيدية _ الموجود بقاياهم باليمن اليوم - ، وهناك فرق كثيرة تنتسب للتشيع منهم الباطنية الذين اتفقت الأمة على كفرهم كالإسماعيلية والدروز والنصيرية.
3. المرجئة : وهم الذين ظهروا في مقابلة الخوارج فأخرجوا العمل عن مسمى الإيمان ، وهم فرق منهم من جعل الإيمان مجرد المعرفة ، ومنهم من جعله التصديق ومنهم من أضاف إليه نطق اللسان .
4. القدرية : وهم الذين أنكروا القدر وزعموا أن الله لم يقدر شيئا وأن الإنسان هو خالق فعله ، بعضهم أنكر علم الله السابق وهم غلاة القدرية ، وبعضهم أثبت علم الله ولكن أنكر تقديره لها ، وقابلهم الجبرية الذين زعموا أن الإنسان مجبور على فعله ولا اختيار له أبدا .
فهذه أصول الفرق الضالة وهناك فرق جمعت بين نوعين من الضلال مثلا المعتزلة فهم في باب الايمان أقرب للخوارج وفي باب القدر قدرية .
وهنا تنبيه أخير وهو ان قول النبي ( كلها في النار ) لا يعني أنهم جميعا كفار وأن جميع الفرق الضالة التي خالفت أهل السنة والجماعة كفار ، بل معنى انها في النار أن طريقها يؤدي إلى النار وليس هو بالطريق المستقيم فهو فيه ضلال ، ولكن هذه الفرق الضالة منهم المبتدع الباقي في دائرة الإسلام ثم هم في البدعة درجات منها الغالي الشديد ومنها ما هو أخف وأقرب إلى أهل السنة ، ومنهم الكافر الذي بلغت به بدعته حد الخروج عن الإسلام ، ثم اتباع هذه الفرق لهم أحكام تختلف بحسب جهلهم وعلمهم فقد يكون فيهم المعذور وغير المعذور ، فلا يجوز التعجل في إطلاق الأحكام .
والله أعلم