العبر والعظات التي يمكن استنباطها من قصة موسى بشكل عام، كثيرة وفي كل مرة تقرأ واحدة من هذه القصص تحصل على فائدة جديدة وقد يكون لها علاقة مباشرة بحياتك اليومية، وقصته مع الفتاتان اللتان أردتا أن تسقيا، وزواج موسى عليه السلام واحدة منها.
ولكن دعني أذكر لك ملامح القصة بشكل مختصر حتى تستطيع ربطها مع العبر المستفادة:
عندما تم اتهام موسى عليه السلام بالقتل، نصحه رجل بالخروج من المدينة، ولهذا قرر الذهاب إلى مدين حتى يبتعد عن الأنظار، وحتى لا يُلحق رجال فرعون به الأذى، وفي طريقه إلى مدين قرر الاستراحة عن نبع ماء، فقد أصابه التعب والجوع من طول الطريق وحر الشمس، ولعله يحصل على بعض الطعام، وعندما كان جالساً تحت ظل شجرة بقرب النبع، لاحظ الفتاتين اللتين تنتظران الرعاة حتى يفرغوا من سقي غنمهم ويقمن بسقي غنمهن، لذا قرر أن يساعدهما رغم تعبه، وسقى لهما الغنم، وعندما عادت الفتاتين إلى البيت أخبرتا والدهما بالقصة وقرر الوالد القاء بموسى وهنا جرى الحوار بين موسى والرجل فيما يخص بزواجه بإحدى الفتاتين.
وهنا أذكر لك بعض هذه العبر، التي يمكنك التفكر بها أثناء قراءتك الآيات التي تتحدث عنها في القرآن الكريم:
- مروءة موسى عليه السلام، بسماعدته للفتاتين بالسقيا، بحيث أنه لم يستطع أن يتركهما دون مساعدة رغم تعبه وحاجته للطعام، قال الله تعالى بخصوص هذه القصة:" فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا" سورة القصص / 24-25، وفي هذه الآية أيضاً بيان كيف أن الله لا يخيّب العبد إذا أطاع الله، واشتكى له حاله، والله سبحانه وتعالى أعلم بحاجة العبد، فرغم أن موسى كان يشعر بالتعب والجوع، فقد أنعم الله عليه بأكثر من ذلك، إذ رزقه الزوجة الفاضلة، ورزقه العمل الذي يجني منه رزقه.
- ويمكن الاستدلال من الآية السابقة، تبين لقيمة الدعاء في جلب الخير للعبد، وتحقيق حوائجه، حيث أن موسى دعى الله عز وجل أن يرزقه عندما ساعد الفتاتين، وفيها هذا ورد في الحديث القدسي:" "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
- ومن العبر المستفادة أيضاً، عرض الرجل ابنته للزواج، بحيث إذا كان الرجل يعرف شخصاً على حسن من الخلق ويعتقد فيه الرجولة الكافية ليعتني بابنته، فلا بأس من عرض ابنته للزواج منها، وفي هذا ورد في قول الله عز وجل:" إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ"، وفي هذا سنة الصالحين، ولقد عرض عمر بن الخطاب ابنته على أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه.
- اضطرار الفتاة للعمل والخروج ومزاحمة الجبال لا يعني أن تتخلى عن حيائها وعفتها، فرغم أن الفتاتان اضطرتا للقيام بعمل والدهما، فقد حافظتا على حيائهما بعدم مزاحمة الرجال على السقيا وانتظارهم حتى يفرغوا من سقياهم، تجنباً لحدوث أي مشاكل.