لأن التعامل مع الناس هو من أكبر التحديات التي نواجهها في حياتنا، بغض النظر عن سننا ومكاناتنا الوظيفية ومهما كان أسلوبنا ومهما كانت أحلامنا، لذلك قمت بقراءة كتاب How to win friends and influence people، أو كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس الآخرين، وهو أحد أجمل كتب التنمية البشرية التي قرأتها في حياتي للكاتب الأمريكي العظيم ديل كارنيجي، وهو يعتبر الأب الروحي لمواضيع التنمية البشرية، وهو نفسه صاحب كتاب Stop worrying and start living، وسأحاول أن أختصر ما تعلمته من هذا الكتابة للإجابة على سؤالك، لأن هذا الكتاب الذي تم تأليفه عام 1936 قام بمساعدتي في تحسين طريقتي في التعامل مع الناس، وجعلني من بعد أن قمت بتنفيذ نصائح الكاتب أكسب الناس فعلا. هناك قواعد أساسية تساعدك في تطوير علاقتك مع الناس وفي أسلوبك في التعامل معهم بغرض التأثير فيهم.
أولها هي أنك إذا أردت أن ترى ردات فعل جميلة من الناس، فعليك أن لا تكثر من انتقادهم، لأنها طبيعة البشرية، لا أحد منا يحب كثرة الانتقاد، ولإثبات صحة هذا الكلام، أنت لا تنتقد نفسك، بل العكس تماما، تقوم أنت بالبحث لنفسك عن أعذار تجعلها مبررا لك ولتصرفاتك بطريقة معينة غير مرغوبة، وكذلك إذا قمت بانتقاد الآخر، فكأنك تهاجمه، وهو سيأخذ وضعية الدفاع عن النفس ضدك، ووضعية الدفاع هذه ستجعله يرد عليك بهجوم، او سيبتعد عنك، وفي بعض الحالات سيتظاهر بعدم سماعك أصلا ويكمل في طريقه تفاديا للمشاكل. لهذا فإن أفضل شيء تقوم به في هذه الحالة ولكسب الناس والتأثير عليهم، لا تنتقدهم.
ثاني القواعد الأساسية هي أن تعرف سر الشخص الذي تود التأثير فيه، وليس المقصود هنا أن تعرف ما يخبئه عنك الآخر من خصوصيات، بل المقصود هو أن تعرف ما هي الأمور التي تخحرك الشخص الذي تتحدث إليه. كل شخص على هذه الحياة يمتلك حافز ودافع لفعل شيء معين، فلو عرفت هذا الحافز عند الآخرين، فستملكه فعليا.
مثال على ذلك، واعذروني على التشبيه، لو كنت انت مثلا تفضل نوعا معينا من الحلويات، إلا أنك ذاهب لاصطياد السمك، فهل ستضع للأسماك طعما من نوع الحلويات الذي ترغبه أنت؟ أم ستضع الطعم الذي تحبه الأسماك؟
الفكرة هي في أنك عندما تعرف سر الشخص، وما يحركه، إما أنك تساعده على تحقيق مراده، او هناك خيار آخر، وهو أن تتكلم معه عن الموضوع الذي يحبه.
كما انه إذا اردت التأثير بالناس،عليك أن تجعلهم يحبوك، فلا تحاول أن تبهر الناس بأشيائك و ممتلكاتك وإمكانياتك في سبيل جعله يتقرب منك، بل بالعكس تماما، حاول أن تشعره بأنك أنت مبهور به، وهو خطأ نرتكبه جميعنا، فتجدنا نود أن نتقرب من فلان من الناس، فنحاول أن نشعره بأننا مميزون وأن لدينا إمكانيات، واننا قادرون على التفكير بطريقة جيدة وأن حياتنا مثالية وعملنا يسير بشكل جيد،من باب جذب الآخر، إلا أن هذا الامر لا يعود بالفائدة في التعامل بين البشر.
كما أنه من الأشياء التي تؤثر في الآخرين ابتسامتك الحقيقية، وهي ليست بالتمثيل، هي الابتسامة النابعة من القلب وبصدق، فكونك إنسان مفرح يجعل الآخرين يرغبون بالحديث معك وسماعك، كما أن الابتسامة مدخل لجميع العلاقات باختلاف أشكالها، ومدخل لجميع أنواع المحادثات التي يمكن أن تحدث بين أي شخصين، وهناك مثل صيني يقول: "أن الشخص الذي لا ترتسم الابتسامة علة وجهه، لا يمكنه أن يفتح محلا".
وأيضا من الأشياء التي تجعل الناس ترغب في التقرب إليك، هي أن تنادي الشخص باسمه، وهو يعتبر أحب الكلمات للناس أن تناديها باسمها حقيقة، فعندما تذكر الشخص باسمه ينجذب لك، فيرغب في الحديث معك، فكن مستمعا جيدا، خاصة إذا كان الشخص الآخر يتحدث عن سره الذي ذكرناه سابقا، أي اجعله يتكلم عن اهتماماته دون مقاطعة منك، وحاول أن تناقشه في اهتماماته التي ذكرها لك، وهذا ما سيجعل شغفه في الحديث بوجودك يزيد، ويبدأ يتفاعل معك بطريقة كبيرة.
كما أن هناك طريقة مميزة، وهي أن تجعل كل شخص يشعر بأهميته الحقيقية، وكثيرا ما يظهر هذا الأمر في المجتمعات الكبيرة، كالجامعات والكليات، فأن تشعر كل شخص تقابله وتسلم عليه على نحو خاص سيجعلك تكسبه إلى صفك.
لا تجادل الآخرين، لأنك إن كسبت الجدال قد يكن لك الآخر ضغينة، وإن خسرت الجدال ستكون قد خسرت أمامه فلا يعود يشعر بقيمتك كما كان سابقا، ولكن، لا بأس من أن تبين اختلافك مع الناس، إلا أن عليك أن تبينه بطريقة جيدة ولطيفة ومحترمة بعيدا عن الأساليب العدائية، أظهر لهم أن هناك اعتراض حول نقطة معينة، لكن بدون جدل، أي أن تسمعهم جيدا ولا تفكر في الرد عليهم بهجومية، ولا تأخذ وضعية الدفاع عالنفس معهم، لأنه سينتج عنها حربا أنت لا تريدها. ولا بأس بالاعتراف بالخطأ إن ثبت خطؤك، وإن أردت الاعتراف بخطأك، فاعترف به وأنت تمتلك الشجاعة الكبيرة، لأن هذا سيجعل الناس أيضا يعترفون بخطأهم تجاهك وينقلب الموضوع كاملا لصالحك. ولتفادي النقاش الجدلي الذي قد يكون لا بد منه، حاول أن تستأذن الآخر بأنك تحتاج إلى وقت للتفكير في الأمر مع نفسك، وحاول أن تبعد نفسك عن المناقشة.
أيضا، لا تذكر الآخرين بأخطائهم، جميعنا نخطئ وندرك خطأنا، وكن متسامحا معهم ولا تلتقط لهم العثرات، ولو اضطررت أن تواجه شخصا ما بخطأه، حاول أن تقولها له بأسلوب لطيف، وهناك مثل فرعوني قديم أحبه جدا يقول: " خذ وهات لتصل إلى الحاجات".
كما أنك إن اضطررت إلى نقد أحدهم بطريقة دبلوماسية، حاول استخدام أسلوب دس السم في العسل، قل للشخص أمامك شيئا جميلا يحب سماعه، ثم أخبره بالنقد الذي لديك تجاهه، واستعمل سر سقراط، والذي ينص على أنه لو بينك وبين الآخر خلاف، قم بتذكيره بالأمور المشتركة بينكما، واسأله العديد من الأسئلة التي سيجيبك عليها بـ(نعم).
كذلك عندما تتلقى من أحد شكوى حول أمر معين، قم بالانصات إليه حتى ينتهي من كلامه تماما، فهذا سيجعله يهدأ خلال حديثه، فتجده في بداية كلامه يرفع صوته ويتحدث بعصبية، ومه مرور الدقائق وبقرب انتهائه من الكلام، ستجده قد أخفض صوته وأصبح يتحدث ببطء أكبر ويشعر بارتياح نفسي أكبر فتقل عدائيته حول الموضوع الذي كان يشكو منه.