أدمغة الموسيقيين تختلف عن أدمغة الناس العاديين. نعم هذا صحيح، فقد أثبتت
دراسة العالمين سكو وكراوز سنة
2012 بواسطة تكنولوجيا مسح الدماغ أن الأشخاص الذين تعلموا عزف الموسيقى وهم صغار، يتفاعل
جذع دماغهم بصورة أقوى عند سماع الموسيقى مقارنةً باللا موسيقيين.
وفي دراسات أخرى أُجريت سنتي
2009 و 2012. ثبت أن الأطفال الذين يتلقون تعليماً موسيقياً، طوّرت أدمغتهم ردود فعل مميزة تجاه الموسيقى والصوت بشكل عام. وردود الفعل هذه لا تختلف عن الناس العاديين من ناحية نشاط الدماغ فقط، بل وحجمه أيضاً.
في دراسة أُجريت من قِبل العالمين ليون وباسكوال سنة
2001. فإنه عند فحص دماغ عازف على الكيبورد أو البيانو فإنهم قد وجدوا أن منطقة الدماغ المسؤولة حركة الأصابع زادت حجماً. وفي دراسة أخرى فحصت أدمغة الأطفال بين سن 9 و 11، تبيّن أن الأطفال الموسيقيين يملكون
مادة رمادية أكبر في القشرة الجدارية الاستشعارية والفصوص الخلفية من الدماغ، مقارنة باللا موسيقيين.
بالمناسبة،
المادة الرمادية في الدماغ مسؤولة عن الحسّاسات العصبية كالسمع والبصر والتحدث والشعور والذاكرة واتخاذ القرار. وتتحكم أيضاً بعضلات الدماغ. وقد ثبتت زيادة المادة الرمادية أكثر عند الموسيقيين المحترفين مقارنة بالموسيقيين المبتدئين، حيث أن المحترفين يمارسون الموسيقى أكثر بضعفين من المبتدئين.
الدراسات المؤخرة تحاول إثبات أثر الموسيقى على ذكاء الفرد، التعلّم الموسيقي أثبت جدارته في تطوير وتحسين الذاكرة والتعلّم المكاني (أي الذاكرة التي تعتمد على تجميع المعلومات وربطها بالأماكن) Spatial Learning. طوّر التعلم الموسيقي مهارات اللغة كذلك، مثل الذاكرة اللفظية والذكاء اللفظي. وبما أن الموسيقى تحسن من الذكاء اللفظي فهي تفتح نافذة واسعة أمام الدماغ لتعلم الرموز والكلمات المعقدة مثل النوتات الموسيقية، أو لغة ثانية، بالتالي فإن تعلّم لغات أخرى أسهل عند الموسيقيين من غيرهم.
هل مررت من قبل
بمعلومة تقول أن موسيقى موزارت تزيد من ذكائك الدراسي؟ شخصياً سمعت هذه المعلومة كثيراً. إليكم تاريخها ورأي العلم بها. سنة
1991 انتشرت ظاهرة تُسمّى ب
تأثير موزارت. بعد سنتين من انتشار هذه النظرية أو الظاهرة في عام
1993، قام الدكتور
فرانسيس روشر بدراستها وملاحظتها. حيث تم ملاحظة زيادة في نسبة ذكاء الطلبة من 8 إلى 9 درجات بعد الاستماع إلى سوناتات موزارت لمدة عشر دقائق مقارنةً باختبار ذكائهم بعد تعريضهم لعشر دقائق من الصمت.
وطبعاً عشق الجمهور والمجتمع هذه النظرية وبدأ الأهالي يحيطون أطفالهم بموسيقى موزارت دائماً علها تصنع منهم نوابغ. وفي عام
1998 أمر حاكم ولاية جورجيا في الولايات المتحدة الأمريكية زيل ميلر بتحديد ميزانية مالية تكفي لإرسال شريط يحتوي على موسيقى موزارت يتم إرساله لكل عائلة تلد طفلاً جديداً. تم تكرار هذه التجربة، ولكن النتائج المبهرة لم تتكرر، لهذا ثار الوسط العلمي. فماذا تعني هذه الظاهرة إن كانت نتيجتها لم تتحقق إلا مرّة واحدة؟ هل حقاً لموسيقى موزارت تأثير على الذكاء؟
أكد الدكتور روشر على أن تأثير موسيقى موزارت كان واضحاً فقط على الذكاء المكاني والزماني للطلبة
spatial-temporal reasoning كالذكاء المرتبط بالعلوم والرياضيات، ولفترة وجيزة مدتها خمس عشرة دقيقة، وليس الذكاء بوجه عام.
تساءل الكثير: لم موسيقى موزارت بالذات؟ أثبتت دراسات لاحقة أن الموسيقى بالفعل لها تأثير على كفاءة الدماغ وتطوره ولكن لفترة وجيزة. وقاموا بعمل دراسات أخرى باستخدام موسيقى لموسيقيين آخرين مثل شوبرت والذي اتضح أنه أعطى نفس النتيجة. وتبيّن أيضاً أن عنصر الاستمتاع له دور في التأثير على التفكير لاحقاً، فتأثر بعض الناس إيجابياً بعد الاستماع لقصص ستيفن كينغ، راوي الرعب المشهور.
لأنني أحب موزارت كثيراً والموسيقى الكلاسيكية تحديداً، فإنني أستمع إليها أحياناً حين أدرس، أو حين أكتب هنا، بالرغم من أنني أعلم أن تأثير موزارت ليس حقيقي، ولكنني أفضل الاستعانة بتأثير بلاسيبو، ربما كحُجة لي لكي أستمع لموزارت قليلاً أو بيتهوفن. وفي جميع الأحوال فلن يضرّني شيء بل على العكس، أنفذ مهامي بمزاج رائق أكثر برفقة موزارت وبيتهوفن.