الحافظ حافظ والفاهم فاهم، أمزح. على كل حال؛ رح أجاوبك جوابًا كافيًا شافيًا وبتمنّى تقرأه حتّى النّهاية.
سأنطلق في شرح الفهم أوّلًا بالاستشهاد بتعريفٍ له وهو أنّ "أعلى درجات الفهم هي الحفظ"
وكيف ذلك؟
الفهم هو استدلالات ومدارك تتحقّق في ظروف نفسيّة وذهنيّة معيّنة، وأن تفهم شيئًا ما يعني أن يتحقّق في ذهنك معنًا وتفسيرًا واستيعابًا، وعن درجاته فأعلاها الحفظ، ما إن تفهم شيئًا ما فأنت تستطيع الوصول إليه بكلّ الطّرق حتّى وإن نسيته نصًّا أو صورة، ومُصطلح الفهم مرتبط بالمعارف والعلوم بصفته سلاح أساسي وبديهي لكل غوّاص مُتخصّص، تجدنا حتّى لمّا بدنا نمدح حدا بأخلاقه بنقول "فهمان" فذلك لأنّ حتّى الأخلاق والتصرّفات النبيلة تحتاج فهمًا كفهم الهدف منها وغايتها ونتائجها على مُطبّقها، ولا تنسى أنّ الفهم يؤدّي للإتقان، فمثلًا الطّبيب المُتقن لمهنته هو فاهم لها ومُستغرق فيها بالضّرورة.
أمّا عن الحفظ فربّما يأتي عن فهم عميق كما قلت في الأعلى، أو من التّكرار النّاجم عن فهم سطحي للأحداث وعادةً يُنعت الإنسان الذي يكرّر ما سمعه من العامّة بال"حافظ مش فاهم" أو أنّه يكون موهبة تستند على قوّة الذّاكرة التصويريّة لدى البعض وهذا الحفظ الذي نُسمّيه "بصم".
وأخيرًا وبشكلٍ أدق كيف نميّز بين "الحافظ بدون فهم واستيعاب" وبين "الفاهم"؟
هل سمعت مقولة "إذا لم تستطع أن تشرح لطفل في السّادسة من عمره شيئًا ما فأنت لم تفهمه بعد" هذا الفرق محوري، ويعني أنّ الفاهم لديه معلومات زاخرة وطريقة واحدة على الأقل لإيصال المعلومة تشبه الطّريقة التي وصلت له هو فيها، فالمعلّمات والأساتذة الأكثر فهمًا لتخصّصاتهم كانوا الأكثر قدرة على الشّرح.
الفرق الثّاني يعتمد عن الأسئلة، اسأل الشّخص أسئلة كثيرة ودقيقة ومعنيّة بأبعاد الموضوع كافّة فإذا كانت إجاباته ركيكة وغير مُتمكّنة فهذا يعني أنّه لا يفهم ما يقوله حقّا.
على ذكر هذا الموضوع حابّة أعبّر عن امتعاضي من غباء وتضارب موقف يتكرّر مع الجميع في الثّانويّة العامّة وهو "أنت شاطر بالفهم ولا الحفظ؟ إذا الفهم اتّجه للفرع العلمي وإذا الحفظ اتّجه للفرع الأدبي"، الفهم لا يقتصر على الرّياضيّات والفيزياء، والحفظ لا يقتصر على الجغرافيا، وثمّ أنّ بإمكان كلّ منّا استثمار قدراته في الفرعين بحسب اتّجاهاته التي سيختارها مُستقبلًا، وشكرًا.