عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه " ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ( سورة آل عمران، الآية:36 ) رواه مسلم
عندما حان وقت ولادة السيدة مريم العذراء رضي الله عنها نأت بنفسها عن أهلها وذهبت إلى مكان بعيد " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا " (سورة مريم، الآية:16) ويُقال أنها قصدت بيت لحم في فلسطين،
وجاءها مخاض الولادة وهي وحيدة بعيدة عن أهلها، ليس لها سابق تجربة في مخاض الولادة ولا شؤون الولادة، ولا معين لها، واجتمعت عليها آلام الولادة مع خوفها وقلقها من هذا الحَمْل الخارق لكل سنن الكون وهذا المولود الذي سيكون مُعجزاً بلا أب.. وقلقها مما يمكن أن يظنه بها الناس، مما جعلها تتمنى لو أنها ماتت وصارت منسيّةً قبل أن يحصل لها هذا الذي يحصل! " فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا" (سورة مريم، الآية:23)
لكن الله عز وجل برحمته ولطفه لم يتركها تقاسي الآلام والخوف والقلق دون أن يرسل إليها إشارة طمأنة، ويقول لها لا تخافي إن الله معك! فأكرمها بالمعجزة وجعل طفلها الذي وُلِدَ للتوّ ينطق بكلامٍ كاملٍ فصيح، ويناديها من تحتها، ليطمئن قلبها، ويصل روحها بربها، ويسكّن رَوْعها، ويثبت فؤادها على الحق، ثم أيضاً ليرشدها إلى كيفية تحصيل طعامها وشرابها! إذ تفجر ماء نبع من تحت قدمها لتشرب منه، وأمرها الله تعالى أن تهز النخلة التي كانت تقف بجانبها حتى يتساقط عليها رطبها وتتقوى به، يقول الله تعالى: " فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا" ( سورة مريم، الآيات: 24 و 25 )
ثم يدلها أيضاً على حجتها وبرهانها إذا ما ساءلها الناس عن هذا الطفل المولود بلا أب ! فقال لها: " فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا" (سورة مريم، الآية:25)