قال تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الشورى آية 11
-أي ليس كذاته ذات، ولا كفعله فعل ولا كاسمه اسم، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ.
والله عز في علاه لا يشبهه شيء وهو سبحانه لا يشبه مخلوقاته ولا يتصف بصفات الحوادث لأن الله عز وجل ليس شيئا والمخلوقات تعد اشيائا.
- وقوله تعالى (شيء) جاءت نكرة لتدل على أي شيء يخطر على بال البشر!
قال السعدي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه.
-فالله تعالى وصف نفسه بأنه ليس كمثله شيء وأنه هو السميع البصير، كما أن الله تعالى قد نفى أولاً أن يكون مشابهاً للحوادث بوجه من الوجوه،
فوصف نفسه بالسميع بصير، يدل على أن سمع الله عز وجل لا يشبه سمع المخلوقات مطلقا وبصره لا يشبه بصر المخلوقات،
كما أن سائر صفات الله تعالى لا تشبه صفات خلقه، فالله تعالى يسمع كل المسموعات بقدرته، وهو سبحانه يرى كلّ المبصَرات من غير حاجة إلى أي أسباب إضافية ولا إلى شعاع ضوء.
- ولذلك فالمسلم منهي عن التفكر في الله تعالى، لأنه "كل ما خطر ببالك فالله تعالى خلاف ذلك"
-فعن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله) أخرجه الطبراني والبيهقي. وهذا الحديث إسناده فيه ضعف فلا يعتد به.
-وروي بطريق آخر عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه وهم يتفكرون في خلق الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فيم تتفكرون "، قالوا: نتفكر في الله قال:" لا تفكروا في الله، وتفكروا في خلق الله؛ فإن ربنا خلق ملكا قدماه في الأرض السابعة السفلى، ورأسه قد جاوز السماء العليا، ما بين قدميه إلى ركبتيه مسيرة ستمائة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ستمائة عام، والخالق أعظم من المخلوق». وهذا أيضا فيه ضعف فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
-والعقل البشري مخلوق محدود، فكيف له أن يدرك كنه ذات الرب تبارك وتعالى فكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك.
- وفي معنى الحديث السابق يقول الإمام ابن القيم رحمه الله من كتاب (الفوائد) "الفكر في آلاء الله ونعمه، وأمره ونهيه، وطرق العلم به، وبأسمائه وصفاته، من كتابه وسنة نبيه وما والاهما. وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة. فإذا فكر في الآخرة، وشرفها ودوامها، وفي الدنيا، وخستها وفنائها: أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا. وكلما فكر في قصر الأمل، وضيق الوقت: أورثه ذلك الجد والاجتهاد، وبذل الوسع في اغتنام الوقت.
وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها، بعد موتها وسفولها، وتجعله في واد، والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار: الأفكار الرديئة، التي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق، كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه، ولا أعطي الإحاطة به، من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب وصفاته، مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه ".
- وعندما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن كيفية استواء الله تعالى على العرش في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)؟
- فأجاب: بأن "الاستواء معلوم، والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب"
- وعليه: فنحن نؤمن بالله تعالى وبأسمائه وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة النبوية من عير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل، ومطلوب منا أن نتفكر في مخلوقات الله تعالى وليس في ذاته سبحانه.