روي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم يعرف المؤمن؟ قال: بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه..)
هذا الحديث لم يثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها، وبالتالي لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو من الأحاديث المنتشرة التي لا تصح باعتبارها حديثًا نبويًّا، لكن في معناه يكون صحيحا.
يستفاد منه من باب الآداب الشرعية التي ينبغي للمؤمن التحلي بها من حفظ اللسان، وانتقاء الكلام، ولين القلب، والهيبة والوقار بالشكل المتّزن الصحيح، فقد جاء الإسلام ناهيًا عن كل صفة قبيحة تتسبب في فساد حياة المسلمين وتهدم راحة قلوبهم، فجاء الإسلام ناهيًا عن الغيبة والنميمة والسبّ واللعن والقذف وتتبع عورات الناس بالقول والفعل، كما جاء ناهيًا عن السخرية والاستهزاء وكل سيّئ من الكلام.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].
فيتميز المؤمن الصادق بطيب الكلم وصدق الحديث، وتميّزه بأخلاقه وصفاته الحسنة، فيعرف المؤمن بقوة الإيمان وحضوره في القلب، باستشعار عظمة خالقه في نفسه واستحضار مراقبة الله له في كل وقت وفعل.
قال الحسن البصري: «لا تستقيم أمانة رجلٍ حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه» (الآداب الشرعية، 1/83).
فللمؤمن أن يدرك أن نجاته في لين قلبه، وحسن عشرته، وصدق حديثه، وحفظ لسانه عن كلّ منكر، فكم من المهالك التي وقعت بأهلها بزلّة لسان ساعة الغفلة، لكن الكلمة التي تخرج لا تعود، فلذلك ينبغي للإنسان انتقاء كلامه الطيب الحسن قبل التلفظ به.
قال ابن جبير: "ينبغي أن يحفظ الإنسان لسانه كما يحفظ الجفن إنسانة، فرُبّ كلمة تقال تحدث عثرات لا تُقال".
كما أن كثرة السخف والمزاح يذهب هيبة المرء وبهائه، فيكون الإنسان في عين الآخرين سفيهًا ضعيفًا لا يقوى عن الجدّ، قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: " من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه قل خيره، ومن كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة، ومن كثر نومه لم يجد في عمره بركة، ومن كثر كلامه في الناس سقط حقه عند الله".
ففي مقولة سيدنا عمر -رضي الله عنه- توضيحًا صريحًا واضحًا لأهمية حفظ الإنسان لوقاره وهيبته، ليدلّ في ذلك على شخصية الإنسان المؤمن القوي، حامل هم الدين الإسلامي على نهج سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام.