قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) سورة الأحزاب آية: 5،
- تبين لنا هذه الآية الكريمة بأن الإنسان إذا ارتكب معصية وهو لا يعلم بأنها حرام فلا حرج عليه ولا يحاسب عليها إن جهل بحكمها.
- كما دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الإنسان يعذر إذا ارتكب محظوراً وهو جاهل بكون أن هذا العمل محظوراً ومحرما شرعا،
يقول ابن كثير في تفسيره رحمه الله تعالى: إنما الإثم على من تعمد الباطل. كما قال المفسر مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. قال: ما أتي بعد البيان.
- يقول العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
- من أقدم على فعل وكان مختلفا في تحريمه من غير أن يقلد أحداً، قال: هو آثم من جهة أن كل أحد لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، وهذا أقدم غير عالم فهو آثم بترك التعلم، وأما تأثيمه بالفعل نفسه فإن كان مما علم في الشرع قبحه أثمناه، وإلا فلا... انتهى من البحر المحيط للزركشي الشافعي.
- فإذا ارتكب الشخص المسلم معصية عن جهالة وقد علم من الدين حتما أنها معصية فإنه يأثم بفعله وأيضاً أن فعلها دون أن يتحرى بحكمها فهو آثم
وأما إن كانت مما لا يعلم من الدين حتما فإنه لا يأثم بفعله، ولكنه يأثم بترك التعلم.
لكن ينبغي للمسلم أن يتحرى من فعله بأمر شك بأنه معصية بأن يسأل أهل العلم ويبحث في هذا الأمر خصوصا بأننا في زمن نستطيع أن نعلم ونميز الحلال والحرام.
- فلربما من وقع في معصية لجهله فيها فإنه قد يؤاخذ ويأثم بتقصيره في طلب العلم الواجب، والسؤال ومعرفة ما يحل له وما يحرم عليه،
وهناك الكثير من أهل العلم من قال بأنه لا يجوز لأحد أن يقدم على فعل شيء حتى يعلم حكم الله فيه،
*وأذكر للسائل بأنه قد جاء في الموسوعة الفقهية بأن الأصل بالنسبة للجاهل:
- أنه لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمثلا من شرع بعمل شيء وجب عليه أن يتحرى الحلال والحرام به.
- كما أنه من باع وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة،
حتى في أمور العبادات فمن شرع في الصلاة وجب عليه أن يتعلم حكم الله في صلاته وكذلك في الحج والصيام وغيرها من العبادات.
لقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.) فمن شرع في عمل شيء يجب عليه أن يعلم الحكم فيه خصوصا أنه في بلاد أصبح كل شيء فيه معلوم وواضح.
فيكون بذلك طلب العلم واجباً في كل مسألة، وترك التعلم معصية يؤاخذ بها.
أما بالنسبة للتصرف الذي وقع باطلاً مع الجهل، فقد ذكر القرافي في الفروق: أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالات في الشريعة، فعفا عن مرتكبها، وأخذ بجهالاتٍ، فلم يعف عن مرتكبها.
وخلاصة القول: بأن الإنسان إن عمل معصية بجهالة تامة وجب عليه التوبة وعدم الرجوع لمثل تلك المعصية فإن رحمة الله واسعة وهو يغفر الذنوب لمن يشاء.
وأنه من أذنب ذنباً أو اقترف معصية وهو يعلم أنه ذنب وجب عليه أن يسارع إلى الله بتوبة؛ عملاً بقوله سبحانه: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً 9 سورة النساء آية 17.
والله تعالى أعلم.