يبدو لي من سؤالك عزيزي
بأنك لست سعيدًا في حياتك، وتود من المجيبين أن يوافقوك الرأي؛ لتشعر ببعض الأنس والطمأنينة بأنك لست وحدك. سأريحك وأقول لك إن معظم البشر لا يشعرون بالسعادة، ليس لأن حياتنا صعبة، بل لأن من طبعنا أن نطلب المزيد من كل شيء؛ فإن حصلنا على الجمال، نطلب المزيد ونحن غير راضين بما لدينا، وقد نلجأ لعمليات التجميل أو وضع كثير من مستحضرات الجمال، وإن كان لدينا المال نطمع أكثر، ونسعى لكسب المزيد، وإن اعتقد شخص بأنه سيكون أسعد إنسان في العالم لو قبلت فتاة أحلامه الارتباط به، فستراه عندما يتزوجها يبدأ بطلب أمور أخرى كالأطفال أو المنصب الوظيفي، أو قد ينظر أحيانًا لامرأة أخرى. هكذا نحن البشر نفني عمرنا في البحث عن السعادة وأسبابها، ولا نستشعر النعم التي نكون فيها إلا بعد زوالها، وما يحدث معنا اليوم بسبب تداعيات جائحة كورونا لهو دليل على كلامي هذا، فكم كنا في نعمة عندما كنا نذهب أينما نريد من دون خوف وقلق، وعندما كنا نحتضن أحبابنا بدفء، ونتعلم في مدارسنا، ونستنشق الهواء الطلق من دون أن نخنق أنفسنا بالكمامات.
لكن الحكماء قالوا لنا أ
ن نتوقف عن رحلة البحث هذه، وأن نعرف أن السعادة
تكمن في الرضا، والرضا فقط، والدليل على كلامي هذا أنك لو نظرت إلى وجوه بعض الناس البسطاء أو الذين يعانون من ظروف صعبة سواء أكانت ظروفًا مادية أو يعيشون في بلد فيها حروب، أو أنهم فقدوا عزيزًا، تجدها وجوهًامرتاحة وبشوشة ومبتسمة دائمًا؛ ليشعرك الواحد منهم بأنه أسعد شخص في العالم.
أعرف رجلًا مسنًا، يبيع الصحف على إشارات "البشيتي" في خلدا، ينطبق عليه ما قلت تمامًا، فعلى الرغم من ظروفه الصعبة ووقفته على الإشارة صيف شتاء، إلا أنه يقف معتدل القامة بشوش الوجه. منذ 5 سنوات تقريبًا، وأنا أحب أن أمرَّ من هناك؛ لأصبِّح عليه وأتحدث معه قليلًا ، فقد تعرفت إليه وأصبح يعرفني ويعرف أين أعمل، ويدعو لي بالتوفيق دائمًا، ولابن أختي بالشفاء.
مرة رأيته وأنا شديدة الحزن فطلب رقم هاتفي وكلمني ودعاني لأن أصبر على ظروفي وشحنني بالطمأنينة والإيجابية.
أدعوك أن توقفه وتتحدث معه وتشتري منه الجريدة كلما مررت من هناك؛ لتمتلئ بالطاقة الإيجابية ولتعرف ماذا أعني تمامًا.
إن أردت إجابتي على سؤالك هذا فلن أكذب عليك، فأنا لا أشعر بالسعادة فعليًا؛ ولكنني لا أشعر بالتعاسة على الأقل، ولن أسمح لنفسي أو لظروفي أن توصلني لهذا الحد، وأحاول دائمًا أن أرضى وأتأقلم مع ظروفي هذه،وأن أخلق أمورًا تفرحني أو تريحني على الأقل، وتبعد انتباهي عن هذه الظروف.
كيف أفعل ذلك؟- تعلمت مؤخرًا طريقة التنفس الصحيح، وأصبحت أمارسه بانتظام، لذا كلما أحسستَ بالضيق، استنشقِ الهواء من أنفك ببطء مدة 5 ثوانٍ، واحبسه لثانيتين ثم أخرجه من فمك في 7 ثوانٍ وكأنك تطفئ شمعة.
-
حافظ على صحتك الجسدية لتستطيع الصمود، وإيجاد الحلول لمشكلاتك، وحتى لا تشعر بآلام جسدية تزيد الطين بلة؛ فاتبع نمط حياة صحي؛ بممارسة التمرينات الرياضية والهوايات، وتناول الأطعمة الصحية، وحافظ على النوم الصحي والاستيقاظ المبكر والتعرض لأشعة الشمس.
-
حافظ على صحتك النفسية بممارسة هواياتك والضحك، وإحاطة نفسك بالأشخاص الإيجابيين، وممارسة أعمالك وواجباتك في العمل أو على صعيد الأسرة على أكمل وجه.
-
اشكر الله دائمًا على نعمه الصغيرة والكبيرة، وقد يفيدك أن تكتب قائمة بالنعم التي تشعر بها.
-
قدِّر ما عندك من نقاط قوة عن طريق كتابتها وتذكُّرها وتطويرها، ونقاط ضعفك كذلك للتخلص منها.
-
اقضِ على وقت الفراغ الذي يجعلك تجتر اللحظات السيئة في حياتك، وتبالغ في ردود أفعالك نحوها.
-
تذكر أن السعادة قرار، وهذا القرار بيدك وحدك، فلو كانت الظروف هي التي تصنع السعادة أو التعاسة، لوجدت جميع الناس الذين يمرون بالظرف الصعب نفسه تعيسين، ولوجدت جميع الناس الذين تكون ظروفهم جيدة سعيدين.
-
تذكر دائمًا قاعدة 10/90 التي مفادها أن 10% فقط من الأمور التي تحصل معنا في الحياة هي أمور لا إرادية تحدث على الرغم منا، ولكن ردود أفعالنا عليها تشكل ما نسبته حوالي 90%... فاضمن الـ 90% بالسيطرة على نفسك وعلى ردود أفعالك تجاه الأمور، ولا تكبّرها.
وأنصحك بقراءة إجابتي عن هذا السؤال من هنا لتتعرف إلى هذه القاعدة وكيفية تطبيقها في الحياة ...
ما هي أكثر حقيقة نفسيّة يجهلها النّاس؟أنصحك أيضًا بالعودة للطفولة قليلًا بالاستماع لأغنية عروب صبح "
كبّرها بتكبر وصغّرها بتصغر"
الرابط