لا أدري عنك، أما عن نفسي فإني أجد أن الكثير والكثير من اللوحات العالمية أشد جمالًا وأكثر جاذبية من الموناليزيا، لكن لا أدري حقًا لما لاقت هذا الكم من الشهرة. حتى أولئك الذين درسوا الأمر، لم يجدوا سببًا حقيقيًا واحدًا. لكن أظن أن مجمل الأمر يظهر في الظروف المحيطة باللوحة، فربما سنة رسمها، أو مكان تواجدها الأول، أو كيف أصبحت الآن في متحف اللوفر. كل ذلك غالبًا كان السبب وراء الشهرة التي تمتلكها إلى اليوم.
تقع الموناليزا اليوم خلف زجاج مضاد للرصاص في متحف اللوفر، وقد طالت إقامتها هناك إلى ما يزيد عن سنين كثيرة. يتوافد عليها آلاف الزوار كل يوم متطلعين إلى تلك التحفة، إلا أن الكثير منهم حين يصلون إليها تظهر اللوحة وكأنها شيء عادي لا يحمل ذاك الكم من التميز الذي اعتدنا الحديث عنه. هي امرأة ذات ملامح عادية، وملابس عادية، حتى أنها لا ترتدي مجوهرات. حتى أن هوية المرأة غير معروفة، ورغم المحاولات الكثيرة من الباحثين إلا أنهم لم يصلوا إلى الآن لشيء مؤكد بالدلائل. وربما هذا الغموض هو أحد أسباب شهرتها. تحدث الكثير عن نظرتها وابتسامتها، إلا أن أحد من الزوار لم يستطع أن يصدق أن الأمر فعلًا استحق كل ذلك العناء.
لكن ما ذكرته سابقًا لا يعني أبدًا أن اللوحة ضعيفة أو ما شابه، بل على العكس. كانت اللوحة قد نالت الكثير من الثناء والتقدير منذ أيام كان ليوناردو دافنشي ما زال يعمل عليها. فهذه اللوحة مليئة بالتفاصيل الرائعة والدقيقة، ولعل أجمل ما فيها هي واقعيتها. حيث أسلوب دافنشي في تصوير الضوء والظل كان متقنًا، وتلك التفاصيل التي أظهرت الشعر وثنايا حجاب الرأس كانت تزيد الرسم واقعية وحياة. كانت وما زالت تصوير لحقيقة الإنسان وغموضه في آنٍ معًا. ومع كل ذلك، ما زال الأمر لا يستحق كل تلك الشهرة التي رآها الكثير مبالغًا بها إلى حدٍ ما.
في القرن التاسع عشر، ظهر ليوناردو دافنشي كأسطورة، ولم يكن الأمر متمحورًا فقط حول رسوماته الفنية، بل تم اعتباره كذلك عالم ومخترع. أما عن السبب، فكانت بالطبع تصميماته التي صورت اختراعات مهمة معاصرة. وبالرغم من كشف حقيقة أن أغلب تلك الأمور كانت مجرد مزاعم ليست حقيقية، إلا أن أسطورة عبقريته استمرت للقرون اللاحقة، وكانت هذه سبب آخر في إضافة شهرة للوحة الموناليزا.
لم يتوقف الأمر هنا، بل زادت شعبية هذه اللوحة بعدما تعرضت للسرقة بعد عام 1911، فقام الإعلام بما يلزم ليجذب المزيد من الأنظار إليها. وتلا ذلك أحداث الحرب العالمية الأولى، وعملية استنساخ اللوحة من قبل مارسيل دوشامب حيث أضاف لها شاربًا. الإضافة الهزلية هذه أضافت كما سابقتها المزيد من الشهرة لها. وغير ذلك من مواقف وأحداث كانت كلها تلعب دورًا لهدفٍ واضح.