هل أنا مسؤول عن سعادتي وراحة بالي؟

الشعور بالسعادة وما ينتج عنها من حماس وسلام وتفاؤل يعتمد بشكل اساسي وكبير على "داخل " الانسان. لان الحدث او الظرف الواحد تختلف ردود فعل الافراد اتجاهه وذلك يعتمد على المعتقدات الاساسية للفرد التي تشكل الفلتر الذي يمر من خلاله معظم الظروف والمواقف ليعطي "تفسير" و"افكار" التي تولد " المشاعر" وردود الافعال. 

قد يكون الجو ممطرا وغائما وهذا يعني السعادة والجو العائلي لفرد ويعني الاكتئاب والشعور بالضيق لفرد اخر وهذا كله يعتمد على تفسيرنا للحدث. 

السعادة شعور وائع يعتمد بشكل اساسي على الافكار التي ترد الدماغ وتولد المشاعر. وباعتقادي انها "قرار" يحتاج التمعن ومعرفة مكونيات الذات. 

نعم عزيزي أنت مسؤول عن سعادتك وراحة بالك ولا أحد غيرك، فلو كان الناس أو الظروف أو أي شيء آخر هم المسؤولين عن ذلك لما وجدت أن هناك أناساً راضين عن حياتهم وسعداء فيها رغم أنهم قد فقدوا أغلى الناس على قلوبهم، ورغم قساوة ظروفهم المعيشية؛ فهناك الفقير وهناك المريض وهناك العاجز وهناك المغترب.


"الحياة حلوة بس نفهمها"

عليك أن تقرر من داخلك أنك إنسان جدير بالحياة وأنك تستحق أن تعيشها بسعادة؛ فالحياة حلوة، بس نفهمها كما قال فريد الأطرش في إحدى أغنياته الشهيرة، ومن القواعد والأمور التي تساعدنا على أن نفهم هذه الحياة التي نعيشها كل يوم ونحاول يوماً بعد يوم أن نفك أسرارها ونجد مفاتيح سعادتنا فيها.

- أن نفسك ليست ملكك: فنفسك ليست ملكاً لك وعليك أن تحبها أكثر من حبك لأكثر شيء تحبه في هذه الدنيا؛ فإن كانت عائلتك هي الأغلى على قلبك فعليك أن تحب نفسك أكثر منها! لا تستغرب، فأنا لا أعني أن تكون أنانياً وأن تفضل نفسك على جميع أفراد أسرتك، بل أعني أنك تستحق الحب والاحترام، وأنك يجب أن تعطي نفسك أولاً هذا الحب والاحترام حتى تستطيع أن تستقبله ممن حولك! وسيسألك الله يوماً ما عن نفسك وعن سعادتك وراحتك ونفسيتك، فاعتنِ بنفسك جيداً.

- أن السعادة قرار: فإن قررت من داخلك أن تعيش بسعادة وهناء فسترضى بما عندك وستعيش كذلك وستفرح بالأمور الصغيرة التي اعتدت على وجودها في حياتك، تعلّم أن تقدّر هذه النعم وأن تكتبها وتعدها -رغم أنها لا تعد ولا تحصى- فاكتب كل يوم 3 نعم وتأملها واشكر الله عليها لتدوم هذه النعم وتتضاعف ولتكون ممتناً وتعيش بسعادة وتقدّر ما عندك وتفرح به؛ فوقوفك على قدميك نعمة، وعملك المرهق نعمة، وابنك الضال نعمة، ووجود أهلك حولك نعمة، أتعلم عزيزي السائل، لقد تعلمت من ابن أختي الصغير الذي يعاني من إعاقة حركية وذهنية أن أفرح بالأشياء الصغيرة من كل قلبي وأن أرضى لأعيش؛ فلا يمكنك أن تتخيل ضحكة عيونه وفرحته الكبيرة عندما يستمع لأغنية يحبها وعندما يمسك بيد أحد منا ليساعده في المشي.

- قاعدة 10/90: فقد تكلمت مراراً وتكراراً في معظم إجاباتي عن هذه القاعدة النفسية التي غيرت طريقة تفكيري بالأمور كلياً عندما عرفتها، فمفاد هذه القاعدة بالمختصر هو أن 10% فقط من الأمور التي تحدث معنا في الحياة هي أمور خارجة عن إرادتنا ولا يمكننا التحكم بها، ولكن 90% من الأمور التي تحدث معنا بيدنا ونستطيع التحكم بها عن طريق إدارتنا لمشاعرنا وتحكمنا بردات أفعالنا على الـ 10% التي حدثت معنا رغماً عنا؛ فقبل أيام خرجت من المنزل لأوصل ابن أختي لمركز التربية الخاصة ليتلقى جلساته هناك، وعندما خرجت من الكراج فوجئت بسيارة أجرة تقف على المدخل وتغلق الطريق، فـ "انسم بدني" لأنني لا أستطيع التحكم بوقوف السيارة عندما تكون على طلعة وخاصة أن الكوابل في سيارتي كانت بحاجة لتغيير وهذا ما زاد توتري، وعندما تحركت السيارة بعد أن عصبت ووضعت يدي على الزامور لعدة ثوانٍ تحركت أخيراً، ولكنني من شدة التوتر والعصبية وضعت غيار الرجوع للخلف في "جير السيارة" بدلاً من المشي للأمام فرجعت السيارة للخلف بسرعة واصطدمت بالجدار فصرخت بشدة، وخاصة أن ابن أختي يجلس في المقعد الخلفي وقد خفت عليه من شدة الضربة، ولكنني أخفته وتسببت ببكائه، وتأخرنا على دوامه، وعندما وصلت اكتشفت أن موبايلي ليس في حوزتي فتركته وعدت للمنزل للبحث عن الموبايل مع أنني كنت قد اتفقت مع مدرسته أن أحضر الجلسة في ذلك اليوم، وعندما كنت في منتصف طريق العودة وجدته قد سقط بين الكرسي الأمامي والباب عندما اصطدمت السيارة بالجدار، واستمر سير الأحداث السيئة معي في ذلك اليوم بسبب عصبيتي الزائدة وتوتري الذي لم يكن له داعٍ منذ البداية. فلو تحكمت بنفسي أكثر لما حدث كل هذا، ولمشى اليوم بشكل طبيعي، ولكان كل ما حدث معي هو أن نتأخر لـ 5 دقائق فقط، بدل ضربة السيارة والتأخير لـ 15 دقيقة وعدم حضور الجلسة والتسبب ببكاء الطفل وإرساله "مسموم البدن" لدوامه وعذاب الضمير و....

- قاعدة "طنّش تعش وتنتعش": فليس كل ما يحدث معك بحاجة لتفكير وتحليل، فلا تقف عند كل ما يحدث معك ولا ترهق نفسك، وواجه الكثير من هذه الأمور بالتطنيش وستتفاجأ من تأثيره السحري في حل الكثير من المشكلات وفي إراحة أعصابك.

نعم،

السعادة ليست شيء يهديك إياه الناس أو العالم، السعادة قرار. مهما امتلكت من مال أو أشخاص أو قصور يمكن بعد كل هذا أن تشعر بالاكتئاب والحزن وفي مكان آخر شخص لا يمتلك 1% من ما تمتلكه مع أنه يعيش حياته بسعادة لأنه قرر أن يفعل. السعادة ليست مرتبطة بالعالم الخارجي أو الناس الموجودين فيه إنما هي مرتبطة بك أنت. إن أردت أن تكون سعيداً أنت يمكنك بأي شيء تمتلكه. لكن تذكر أن سعادتك أنت من يجب عليه أن يدفع فاتورة هذه السعادة للآخرين، إياك وأن تكون سعادتك على حساب أحد. لا يمكن أن تستمر باللعب واللهو بدل الدراسة ثم تطالب العالم بسعادة. السعادة لا تأتي مجاناً عليك الكفاح من أجلها وأن تستمتع وأنت في الطريق إليها ويمكن أيضاً أن تصنع السعادة لإنسان آخر من خلال مساعدته. هذا لن يساعده فقط إنما سيمنحك الشعور بالرضا عن نفسك ويزيد في ميزان حسناتك.