بداية النهاية لدولة المماليك
لنعد إلى زمن من الماضي وتحديداً في العهد العثماني، في اليوم الثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 1516 م.
حيث انتصر العثمانيون على نظيرهم المماليك انتصاراً حاسماً بالقرب من خان يونس في غزة وتحديداً في تل جمة.
بدأت القصة بين القرن الثالث عشر والسادس عشر عندما كان المماليك يحكمون مصر، سوريا، فلسطين، الأردن، لبنان، ليبيا، الحجاز، اليمن، قبرص وأرمينيا جنوب تركيا الآن.
خلال فترة حكمهم صنعوا إنجازات وانتصارات عسكرية عديدة وكان المماليك بمثابة الدرع الحامي للدولة الإسلامية، وازدهرت أيضاً الثقافة والفنون في عهدهم وكان المماليك في تلك الفترة يهددهم خطر المغول والصليبيين، ولكن استطاعوا حماية بلادهم من هذا الخطر. ثم بدأ تفكير المماليك يتجه نحو الأناضول شمالاً.
في عام 1375 تم إسقاط مملكة أرمينيا الصغرى وقيام إمارة بنو رمضان، وذلك من خلال التحالف الذي قام به السلطان الأشرف شعبان بن حسن مع أسرة تركمانية بقيادة الشيخ رمضان خان.
وعلى الصعيد المقابل كانت بداية صعود قوى صغيرة في الأناضول مثل الأسرة العثمانية، وبعض الإمارات التركمانية في جنوب الأناضول. وجاء ذلك تبعاً لانتهاء سلطة السلاجقة فيها وفي نفس تلك الفترة قام عثمان الأول بالتأسيس للدولة العثمانية في شرق الأناضول، واستمرت الحملات العسكرية في قلب الأناضول إلى أن وصلت حدود الدولة العثمانية إلى الإمبراطورية البيزنطية. واستطاع السلطان محمد الثاني إسقاط الإمبراطورية الرومية البيزنطية الأرثوذكسية، حيث أصبحت الأناضول تحت الحكم العثماني وذلك في عام 1453.
هذا التقدم العسكري الذي حققه العثمانيين في شمال ووسط الأناضول شكل قلقاً عند الفرس وذلك بسبب الحدود المشتركة مع الدولة الإسلامية المتشكلة آنذاك، وكان هذا مدخل للصراع الثلاثي بين العثمانيين والمماليك والفرس في القرن الخامس عشر.
والجدير بالذكر أن التنافس التجاري بين العثمانيين والمماليك كان كبيرا في تلك الفترة؛ نتيجة سيطرة العثمانيين على الأناضول
لذلك كانت مصر والأناضول تعيش نهضة اقتصادية، نتيجة السيطرة على حركة التجارة العالمية من الشرق إلى الغرب فكانت الحركة التجارية عبر الأناضول عبارة عن جواز سفر دبلوماسي العثمانيين، وأما مصر فقامت بتنمية إنتاجها للمنسوجات عالمياً.
بعد ذلك بدأت مصر بتحركات عسكرية في جنوب الأناضول تحديداً، وذلك بعد الارتياح العام بانتهاء التتار والتواصل الجيد بين مماليك مصر والفرس وهذا بالطبع دق ناقوس الخطر في نفوس العثمانيين.
ثم بعد ذلك جرت عدة معارك بين العثمانيين ومماليك مصر خلال الفترة بين (1485 - 1490) وكان النصر حليفاً لمصر في الجولات الأربع بينهما، ولكن انقلبت الأمور في عام 1509 حين تواجهت مصر وحلفاؤها في الهند ضد الاستعمار البرتغالي فهُزمت وخسرت أسطولها البحري كاملاً. على إثر هزيمة مصر طمع كل من الفرس والعثمانيين في مصر فالتقى العثمانيين والفرس في معركة عسكرية، وهُزم الفرس هزيمة قاسية وبعدها اتجه العثمانيين بجيوشهم إلى حلب.
الآن وصل العثمانيون إلى سوريا وكما أسلفت سابقاً أنها ضمن حدود دولة المماليك، وفي تاريخ الرابع والعشرين من شهر آب عام 1516، التقى العثمانيون مع المماليك وبالتحديد في مدينة مرج دابق السورية وانهزم المماليك أول هزيمة أمام العثمانيين وكانت النتيجة خسارة سوريا.
اتجه بعدها العثمانيين إلى فلسطين في تاريخ الثامن والعشرين من شهر أكتوبر من نفس العام في موقعة خان يونس، وانتصر العثمانيين فيها ودخلوا القدس في الثلاثين من كانون الأول عام 1516.
وكانت هذه المعركة قبل الأخيرة مع دولة المماليك حيث التقوا في آخر معركة بينهم في مصر في تاريخ الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني عام 1517، وهُزم الجيش المصري أمام العثمانيين وسقطت دولة المماليك وانتهت سطوة المماليك بشكل كامل فيها، لتنتقل عاصمة العالم الإسلامي لأول مرة خارج العالم العربي.