من أشهر المواقف على عزة الصحابة رضوان الله عليهم ما جاء في القصة التي رواها الحاكم من طريق ابن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة –وهي تشبه البحيرة- وعمر على ناقة، فنزل عنها وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين ! أأنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك –أي: أهل بيت المقدس؛ لأنه كان ذاهباً ليستلم المدينة- فقال عمر الذي فتح بيت المقدس أول فتح قال: أوه! –وهذا اسم فعل بمعنى أتوجع من هذه الكلمة- لو قال هذا غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.
وهذا تأكيد على أن عزة الصحابة رضوان الله عليهم سببها الإسلام، فهو السبب الأساسي والوحيد ليعتز المرء بنفسه.
ومما ورد في ذلك أيضاً،عن حكيم بن حزام، قال: كان محمَّد صلى الله عليه وسلم أحبَّ رجل من النَّاس إليَّ في الجاهليَّة، فلما نُبِّئ صلى الله عليه وسلم ، وخرج إلى المدينة، شهد حكيم الموْسِم وهو كافر، فوجد حُلَّة لذي يَزَن تُبَاع، فاشتراها ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقَدِم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هديَّةً، فأَبَى، فقال: إنَّا لا نقبل من المشركين شيئًا، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثَّمن، فأعطيته إيَّاها حين أبى عليَّ الهديَّة، فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئًا أحسن منه يومئذ، ثمَّ أعطاها أسامة بن زيد، فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة، أنت تلبس حُلَّة ذي يَزَن؟! فقال: نعم، والله لأنا خير من ذي يَزَن، ولأبي خير من أبيه. قال حكيم: فانطلقت إلى أهل مكَّة، أُعجِّبهم بقول أسامة.
المصدر
الدرر السنية