الستر لغة: تغطية الشيء.
الستر اصطلاحًا: ستر المسلم هو تغطية عيوبه وإخفاء هنّاته.
حث الإسلام على الستر والذب عن المسلمين وأعراضهم وما يسيء لهم بقول أوعمل أو همز أو لمز، وحفظهم في حضورهم وغيابهم، ونهى عن تتبع عوراتهم وملاحقة هناتهم و فضح أخطاءهم و تعييرهم بها.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النُّور: 19]
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات: 12]
نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق، فقال: ((يا معشرَ مَنْ آمَنَ بلسانه، ولم يدخُل الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم؛ فإنَّه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورتَه، ومَنْ تتبَّع اللهُ عورتَه يفضحه ولو في جوف بيته)) [صحيح الجامع]
وفي وراية مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة).
إلّا أنَّ واقعية الإسلام فرضت عليه التَّعامل مع حالاتٍ متنوعة يختلف حكمها باختلاف طبيعة الحالة، فبينما كان الستر واجبًـا في بعض الحالات كان هتكه مندوبًا في حالاتٍ أخرى، فكيف لفاسد مجاهرٍ أن يحظى بنعمة الستر وغيرُه يخشى على نفسه أو مجتمعه من فساده، ألا إنه والله لا يليقُ ذلك بعدل الإسلام.
وفي ذلك ورد تفصيل لطيف في الموسوعة الفقهية وضّح كيف يحكم الإسلام على ستر العاصي بقولهم:
" أجمع العلماء على أن مَن اطَّلع على عيبٍ أو ذنبٍ أو فجورٍ لمؤمن من ذوي الهيئات أو نحوهم ممَّن لم يُعرَف بالشر والأذى ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيًا إليه؛ كأن يشرب مسكرًا أو يزني أو يفجر متخوفًا متخفيًا غير متهتِّك ولا مجاهر - يُندَب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة أو الخاصة، ولا للحاكم أو غير الحاكم.
أما من عُرِفَ بالأذى والفساد والمجاهرة بالفسق وعدم النبالاة بما يرتكب، ولا يكترث لما يُقال عنه فيندب كشف حاله للناس وإشاعة أمره بينهم حتى يتوقوه ويحذروا شرّه بل ترفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف مفسدة أكبر، فإن اشتدّ فسقه ولم يرتدع من الناس فيجب أن لا يستر عليه بل يرفع حاله إلى ولي الأمر حتى يؤدبه ويقيم عليه ما يترتب على فساده شرعًا من حدٍ أو تعزير ما لم يخش مفسدة أكبر. وهذا كله في ستر معصية وقعت في الماضي وانقضت.
أما المعصية التي رآه عليها وهو متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها على من قَدِرَ على ذلك فلا يحلّ تأخيره ولا السكوت عنها، فإن لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر لقوله صلى الله عليه وسلّم في رواية مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
[1]
فوجبت في تلك الحالة كشف حاله و ذلك لردعه و زجره لعل يكُّف أو يعُّف، فلا يخفى علينا قول الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة (179).
[1] الموسوعة الفقهية / الجزء الرابع والعشرون/ الطبعة الأولى / الكويت / مطابع دار الصفوة للطباعة والنشر / ص 169-170