لمّا كان الغض عن العورات و حفظ الأسرار و التحفظ على الزلات بين المستحب والواجب كان هتك الأستار و إفشاء الأسرار و تتبع العثرات و الزلات من المحظور والواقع فيه مأزور غير مأجور قد ظلم نفسه و تعدى لغيره بالبهتان والجور
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:12]
في هذه الآية الكريمة ترتيب عجيب أشار إليه القرطبي ـ رحمه الله ـ فقال:
" لأن الإنسان إذا ظن السوء سينتقل إلى مرحلة أخرى وهي التجسس ليتأكد ثم بعد التجسس سوف يغتاب ذلك الرجل بذكر معايبه فبعضها يجر بعضًا، فانظر إلى هذا التسلسل العجيب لأن الله هو الخالق لهذا الإنسان وهو العالم كيف تتسلسل في النفس وفيه تنبيه من جانب آخر أنه يجب على الإنسان أن يغلق أبواب الشر على نفسه لأنه إذا فتح باب الظن أنفتح باب التجسس ثم إذا امتلأ القلب بهذه الأمور المنكرة أصبح يفرِّغها في المجالس التي يجلس فيها فيقع في الغيبة ".
روي عن عبدالله بن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(مَن حالَتْ شَفاعَتُهُ دونَ حَدٍّ من حُدودِ اللهِ ، فَقدْ ضَادَّ اللهَ في أمْرِهِ ، ومَن ماتَ وعليهِ دَيْنٌ فلَيسَ بِالدِّينارِ والدِّرهَمِ ، ولكِنْ بِالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ، ومَن خَاصَمَ في باطِلٍ وهُو يَعلَمُهُ ، لَمْ يَزلْ في سَخَطِ اللهِ حتى يَنْزِعَ ،
ومَن قال في مُؤمِنٍ ما ليس فيه ، أسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ[1] ، حتى يَخرُجَ مِمَّا قال ، ولَيسَ بِخارِجٍ ) [صحيح الجامع].
فمن وقع في المحظور فقد أصاب ذنبًا عظيمًا و أهوى نفسه في مرتع وخيم، وكفى به إثمًا استجلاب سخط الرحمن الرحيم و استمطار غضبه بمخالفة أوامره و إتيان زواجره سبحانه و تعالى.
[1] ردغةُ الخبالِ : عُصارةُ أَهْلِ النَّارِ