من أهم القرارات التي تم اتخاذها على المستوى الشخصي بالنسبة لي هو التخلي عن العمل في الميدان ضمن مؤسسات العمل الخاصة، هذا أهم قرار وكان له الأثر الكبير على المستوى الجسدي والنفسي على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي ترافقت مع هذا القرار، على الرغم من أنه من أهم القرارات فهو من ناحية أخرى من أصعب القرارات لأنه ارتبط بالمنحى الاقتصادي بالمقام الأول في تلك المرحلة. لم يكن هذا القرار متخذ بين ليلة وضحاها وإنما خضع لوقت طويل بناء على ما لدي من توجه وفكر وقناعات شخصية. ومبادئ وقيم.
من أهم الأسباب التي أدت إلى اتخاذي هذا القرار ما كان يتركه العمل الميداني من أثر نفسي وجسدي علي حيث تمثل الأثر النفسي بعدم القدرة على الشعور بالأمن لقيام سياسة المؤسسة التي كنت أعمل بها على المادية البحتة، فلا يهم بالنسبة لهم الوجود الإنساني لمن يعمل معهم بل المهم والأهم والأولوية المال وكيفية كسب المال بغض النظر عن العوامل المحيطة بك كشخص وكموظف، ومن الناحية الجسدية كنت اتعرض ونتيجة الضغوط النفسية لأعراض مثل ألم المعدة وألم الرأس وعدم القدرة على تحمل أي نوع من أنواع الضجيج أو الحديث خارج مؤسسة العمل.
العمل ضمن هذه المؤسسة أفقدني الكثير من التفاعلات الاجتماعية نتيجة الآثار النفسية والجسدية وزيادة الشعور بالتوتر والقلق وزاد من الرغبة في إمضاء الوقت الذاتي للتفكير في هذه العمل ومع الوقت توصلت لنتيجة وهي أنني فعليًا لا أحب هذا العمل وأن قيمته بالنسبة لي لا تحقق ما لي من توجه وفكر، فأنا انظر للعمل بشكل عام على أنه وسيلة للتطور والتقدم والشعور بالنفس بطريقة جديدة، وعلى الرغم من توصلي لهذه النتيجة أعطيت نفسي الفترة والكافية حتى يكون هذا القرار قرار صحيح لا يؤثر عليه أي عامل من العوامل المختلفة ومن أهمها الأسرة التي كانت تعارض أن أقدم على هذا الأمر.
بعد مرور 3 سنوات على العمل ضمن بيئة عمل غير مناسبة وكوقت كافي لاتخاذ القرار المناسب تم تقديم الاستقالة للمؤسسة، وحتى لا أكون قد اتخذت قرار خاطئ من وجهة نظر شخصية قررت أن أعيد الكره والتجرية ضمن مؤسسة أخرى حتى لا أكون قد اتخذت قرار بناء على تجرية واحده وهذا التعميم لا يمكن أن يكون لوجود بعض الصعوبات، إلا أني لم أجد قيمة العمل الفعلية التي تتجرد من المنحى المادي وتنظر للعامل لديها على أنه شخص منتج لا شخص مجلب للمال في المقام الأول والأخير, لأتخذ قرار نهائي بالابتعاد عن العمل الميداني.
بعد اتخاذ القرار واجهت كثير من الصعوبات في البحث عن العمل المناسب، ولا أنكر أنني وجدت الأعمال التي يمكن أن أتعامل معها بصورة شخصية وانجزها بطريقة فردية بعيدًا عن مبدأ الرأسمالية، وكانت أعمال شعرت بها بقدر من الأمن والتقدير، خاصة أن الجانب المادي لم يكن هو الجانب المتحكم بي، ومن الأمور الأخرى التي كانت تشكل صعوبة نظره الأهل لما أقدمت عليه من فعل وقرار ومواجة الضغط النفسي بشكل أو بآخر فهذا الأمر غير مقبول بعد إتمام الدراسة الجامعية وغير منطقي، ولا أنكر وجهة نظرهم هذه إلا أنني كنت واثقة بأنني قد فقدت القدرة على العمل تحت منظومة المؤسسات الرأسمالية والتي تعطي القيمة للمال لا للإنسان.
من الأمور التي شجعتني على اتخاذ هذا القرار ما قمت به من تطوير مفاهيم إنسانية وقيمة للعمل وللعلم وللمال، فالعمل بالنسبة لي هو الأمر الذي يمكن من خلاله تقديم الجهد بطريقة فيها احترام للنفس، أما العلم هو ما يقدم للآخرين ليحقق الفائدة وما يكتسب من المصادر المختلفة لتحقيق التطور الشخصي بعيدًا عن الرياء أو التباهي أو الاحتكار، أما المال فهو من الأمور التي عملت عليه كمفهوم وبطريقة كبيره حتى أجرده من كل ما يرتبط به من مفاهيم وأصبح وسيلة لتحقيق الحاجات الضرورية، ومن هنا أصبحت أنا من أتحكم بالمال لا المال الذي يتحكم بي.
وبعد مضي 5 سنوات على اتخاذ هذا القرار اليوم أنا أحظى بعمل شخصي وخاص ضمن اختصاص البحوث الجامعية على الرغم من أنه غير ثابت نسبيًا أو غير ممتد على الشهور كافة ويعتمد على عوامل كثيرة إلا أنني أشعر بالأمن بقدر كافي.