لن أجيبك بشكل مثالي أو أقول لك أن هذا التخصص كان حلم الطفولة وكنت مغرمة به وأتشوق إليه, لأنني لم أدرسه مباشرة بعد انتهائي من الثانوية العامة, بل بدأت بتخصص آخر ولم أجد نفسي فيه, وبعد سنة ونصف قررت أن أحول لتخصص اللغة العربية وآدابها, ولم أختر هذا التخصص إلا لكونه أكثر التخصصات المتاحة الذي يمكنني أن أكمل فيه, ولكنني اليوم وأنا على مشارف التخرج أجزم أنه كان أفضل وأصوب قرار اتخذته في حياتي, وإليك أسبابي التي ستبرر هذا القول:
أولاً: أساتذتي في القسم
إن أول سبب أدى إلى تعظيم التخصص في نفسي هو أساتذتي, إذ أنني أختار دوماً موادي مع أفضل الأساتذة الذين لا تهمهم العلامات والأرقام بقدر اهتمامهم بأن يعطوا علماً صافياً, ومساعدة الطالب للتطور من خلال القراءة بشكل خاص وتحفيزه عليها, إضافة لأسلوبهم الجاذب وخاصة في مواد الأدب الذي أدى الى تشكيل علاقة حب قوية بيني وبين مواد الأدب التي أعتبرها من أروع المواد على الإطلاق, لذا أنصحك وبشدة أن تنتقي أساتذتك بحذر وبدقة, لأن هذا سيشكل فارقاً عظيماً في نفسك تجاه التخصص الذي تختاره.
ثانياً: عمق مواد الأدب وارتباطها مع النفس البشرية
لا أبالغ إن قلت أنني بدأت باكتشاف خبايا نفسي التي لطالما أهملتها بسبب مواد الأدب, وخاصة الشعر منها, إذ أن الشعر يرقق القلب ويضمد الروح ويضمك بطريقة حنونة جداً, فتشعر من خلال قراءة الشعر " بحب" أنك بالفعل لست شخصاً وحيداً! فالعجيب هو اشتراك المشاعر الانسانية وقدرة ثلة قليلة على إخراج ما بداخلك من مشاعر والتحدث عنها بحرية, كأنك أنت تماماً الذي من قام بكتابتها, وهذا السبب أدى إلى تغيير كبير في شخصيتي ونظرتي الى نفسي وإلى الغير فأصبحت أفهم نفسي ومن حولي من خلال قراءتي للأدب وللشعر بشكل خاص, وصدقاً أنني أتكلم بكل شغف.
ثالثاً: عمّق وأصّل التخصص حبي لعروبتي
ذلك أنني أميل لكل ما هو شرقي منذ زمن وقبل التحاقي بالتخصص, ولكنّ دراستي له قام بتغذية هذا الحب من خلال اطلاعي على أصالة عروبتنا وقيمتها وجمالها, فلا يعني أنك تدرس اللغة العربية أنك تنفرد بدراسة تركيب الجمل, كلا؛ بل أنك تدرس من خللاله تاريخ العرب وفلسفتهم وعلومهم ونتاجهم العلمي العظيم وحروبهم وانتصاراتهم وفتوحاتهم وطرق عيشهم وفترات ازدهار حضارتنا العربية والاسلامية التي تحببك بأصلك وبلغتك وبدينك, وهذا السبب من أجمل الأسباب الذي نمّى شغفي للإكمال في هذه التخصص بكل حب.
وسبب هذا الحب الذي وجدته تجاه التخصص أنني عشت شعوراً معاكساً تماماً في تخصصي القديم, لأنني كنت أدرس اللغة الانجليزية, ولم أجد نفسي فيه ليوم واحد وكنت اتذمر من الذهاب كل يوم للجامعة وكأنها ثقل أحمله على ظهري, للدرجة التي أدخلتني باكتئاب لن أنساه, نعم هكذا يصير بالانسان حين لا يكون في مكانه المناسب, وبالفعل كنت كمن وجدت بيتي عندما تعمقت بتخصص اللغة العربية, وجدت نفسي وشغفي بعد تعب, لذا أنصحك بألا تختار إلا التخصص الذي تجد نفسك فيه, وما إن شعرت أن هذا التخصص لا يناسبك ولا يشابهك فوراً انسحب, لأنه ليس كما نعتقد أنها فترة وتمضي بل إن تخصصك يظل معك طوال حياتك وأيامه إن كانت جيدة أو سيئة لن تنساها, فإن لامست أسبابي شعورك وتظن أنك ستجد نفسك فيه فلا تتردد لحظة واحدة.