الهيكل التعليمي في الاردن كله مخيف، يضع الطالب في قوقعة الجهد المهول واللامنطقي. حيث يعتمد مستقبلنا في الاردن فقط على علاماتنا في التوجيهي، وليس على ذكائنا او ابداعنا وقدراتنا الخلاقة.
وترتبط امتحانات التوجيهي بيوم معين، تاريخ معين، ساعتين محددتين، يحدد فيهما مصير الشخص الابدي. هل هذا منطقي ؟ ان يتم اهمال قدراتنا الابداعية والاعتماد على اجوبة خطأ او اجوبة صحيحة، معتمدة كليا على الحفظ وحده واهمال الفهم. معتمدة على كمية المعلومات التي دخلت عقل الدارس. التي حفظها في فترة محدودة ومضغوطة. يرميها كلها على ورق الامتحان وعند خروجه منه ينساها، لانها أُدخلت في عقله بطريقة التلقين، وهدفها فقط اجتياز الامتحان، وليس اهمية المعلومة بحد ذاتها. ناهيك طبعا عن طرق التدريس التي تُكرّه الدارس بما يدرس. والاهمال التام للعلم المجرد ككينونة مستقلة، وادماجها مع مصير الانسان، الغاءً تاماً لسبب وجودها وهدفها.
لهذا يعتبر التوجيهي بعبع حياة الانسان الاردني. واقول الاردني لانني غير ملمة بالتوجيهي خارج البلاد، ولانني عشته وجربته.
في الفصل الاول من التوجيهي خاصتي قمت بأكل الكتب أكلا. لم استرح لا ليلا ولا نهارا. حمّلت نفسي فوق طاقتها. واثمر تعبي. في الفصل الثاني كنت قد استُهلِكت تماما. فقدت كل الرغبة بالدراسة. اتذكر يوم امتحان التجارة الالكترونية اصابني انهيار عصبي قبل الامتحان وبعده. برغم ضآلة المادة وتفاهتها الا انني نسيت كل المعلومات. وكانت كفيلة بمسخ معدلي كليا وتغيير مصيري العلمي كله.
كثرة الدراسة في رأيي تشوش المعلومات وتضيعها، واعتقد ان هذا مختلف من شخص الى اخر. عن نفسي فان كثرة الحفظ والتكرار تخيف المعلومات وتطردها من رأسي. بينما القراءة المتمعنة ترسخها. وكنت افعل الاولى في التوجيهي. كنت أعيد وازيد مرارا وتكرارا. وانا مقتنعة ان هذا له دور كبير في توتري وتخويفي. لان نمط الدراسة هذا لم يلائمني. وللاسف اكتشفت هذا الامر في الجامعة، اي بعد فوات الاوان.
تهويل المجتمع للتوجيهي يزيد من توتر الطلاب. وكأنه اليوم الاخير، نهاية العالم والخطر المحدّق بنا. تحميل الطلاب ما لا طاقة لهم به. انزال مسؤولية كبيرة مرة واحدة فوق رؤوسهم، وتهديد مستقبلهم بهذا الامتحان. فهو بمثابة ارهاب نفسي للطلبة. فلا عجب ان التوتر والبكاء والنحيب ينتشر كثيرا في تلك الفترة. وأتحدث هنا عن خبرة.
في اعتقادي انه يجب تغيير هيكلية تحديد المصير، وهيكلية بناء الاطباء المهندسين والرسامين والمعلمين والطباخين. واستثمار قدراتنا الحقيقية المتأصلة فينا وتغذيتها، بدلا من تحطيمها وهدمها من خلال امتحان غير جدير بنا وبابداعنا.