الفرق بينهما فيما يظهر من تلمس الحكمة : أنه حيث ورد لفظ ( الوالدين ) يكون حق الأم هو الملاحظ والمقدم ، وحيث ورد لفظ (الأبوين ) فيكون حق الأب هو الملاحظ والمقدم .
وتوضيح ذلك :
أن كلمة ( الوالدين) هي تثنية والد و والدة ، والوالدة هي التي تلد في الحقيقة وإنما الوالد سبب لذلك ولا يلد في الحقيقة ، وإنما لما كان سبباً سمي والداً ، فأمر الولادة هي الملاحظ في هذه الكلمة والولادة للأم ، لذلك قلنا إن حظ الولادة هو الملاحظ في هذه التثنية.
أما كلمة ( الأبوين ) فهي تثنية أب وأم ، لكن ثنيت على أبوين على سبيل التغليب للمذكر على المؤنث ، فغلب جانب الأب على الأم في هذه التثنية .
ولما كان حق الأم مقدماً على حق الأب في البر والإحسان كما هو معروف وأخبرت به الأحاديث لضعف الأم وحاجتها إلى الرعاية أكثر ولأنها تعبت في الحمل والولادة ، جاءت الآيات التي تأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما والدعاء لهما بلفظ ( الوالدين ) تنبيهاً إلى تقديم حق الأم على الأب في ذلك .
كما في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الإسراء:23) .
وقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً) (الأحقاف:15).
وقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام ( رب اغفر لي ولوالدي ..) ( نوح ).
وفي المقابل لما كان نصيب الأب في الميراث أكبر ومقدماً لأنه هو المسؤول عن النفقة وليست الأم ، والنظر في الميراث إلى العصبة وهم الأقارب من جهة الأب لا الأقارب من جهة الأم في الغالب ، حيث الأقارب من جهة الأم يعتبرون رحماً لا يرثون في حالات نادرة ، كل ذلك جعل آيات الميراث ترد بكلمة ( الأبوين ) كما قال تعالى ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ..) ( النساء ، 11).
أما قوله تعالى في سورة يوسف ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً ) فقيل في الحكمة من استخدام كلمة الأبوين وليس الوالدين :
أن العرش هو من نصيب الرجل وحقه ومنزلته في الغالب وليس للمرأة فيه نصيب لذلك كان الملاحظ هو جانب الأب هنا .
وقيل أيضاً أن في ذلك تكرمة للأم عن ملاحظتها في هذا الموضع الذي سجدوا فيه ليوسف عليه السلام .
وبعض العلماء ذكر وجهاً ثالثاً وهو أن زوجة يعقوب هنا لم تكون أم يوسف حقيقة وإنما هي خالته وأمه ماتت في صغره ، لكن هذا الوجه ضعيف .
والله أعلم