ما معنى قوله تعالى (وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٢٤ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
هذه الجملة وردت في الآية الكريمة التي توصيتنا ببر الوالدين، قال الله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء 24

- فتوصي الآية بالإحسان وبالدعاء إلى الوالدين والصبر عليهما، كما صبروا علينا في صغرنا وربونا صغاراً وأن نحتسب الأجر عند الله تعالى.

فقوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) ففي هذه الآية يأمر الله تعالى الإبن ذكراً كان أم أنثى بكثرة الدعاء لوالديه، وأفضل الدعاء هو (رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) فتطلب الرحمة لهم في الدنيا إن كانوا أحياء فيعفو عنهم ويمتعهم بالصحة والعافية وأن يوسع عليهم في الرزق والصحة والعافية وراحة البال والسعادة، وإن كانوا أموات فيرحمهم بمغفرته وعفوه وأن تكون قبورهم رياض من رياض الجنة وأن ييسر حسابهم ويثقل ميزانهم وأن ييمن كتابهم ويرفع درجاتهم في الجنة.

- وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم، وفي وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلاً - ومعظهما في حالة الوأد وهي حالة خاصة في ظروف خاصة- ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه. وإن الوالدين ليبذلا لوليدهما من أجسامهما وأعصايهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال في غير تأفف ولا شكوى، بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان! في في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما اللذان يأخذان!" كيف لا والوالدين لا يحبان أن يكون أحد أفضل منهما إلا أبنائهما" فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة!

- بينما المولود فهو في حاجة إلى الوصية المتكررة ليلتفت إلى الجبل المضحي المدبر المولي الذاهب في أدبار الحياة، إلى أن يعوضه ولو شيئاً يسيراً عما عناه من أجله، ومن هذه الأمور التي يمكن أن يعوضها الولد لوالديه هو الدعاء المستمر لهما في حياتهما وفي مماتهما.
- وهذا الدعاء هو من باب الوفاء للوالدين، ومن خلاله لا ينقطع البر بهما، ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم،

- فكثير من الناس يعتقدون بأن بر الوالدين مرتبط فقط في حياتهما، ولكنهم لا يدرون بأن أصدق البر هو بعد وفاة الوالدين، وأنهم بحاجة إلى هذا البر أكثر من حاجتهم له في حياتهما!!

- ففي الحديث الصحيح عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟، قال: نعم، الصلاة (أي: الدعاء) عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" أخرجه ابن ماجه وأبو داود

- وعليه: فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين من أفضل الأعمال عند الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين" قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قال: حدثني بهذا، ولو استزدته لزادني. متفق عليه.

- حتى أن الإسلام أمرنا ببر الوالدين حتى ولو كانوا كفّاراً! فكيف لو كانوا مسلمين؟؟! فقال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة لقمان (15)
 
- أما حدود طاعة الوالدين - فبر الوالدين هو من باب رد الجميل والشعور الإنساني النبيل تجاه أعز الناس عليه بالمحبة والرحمة والإحسان.

- فالطاعة التي يريدها الشرع من الولد للوالد هي طاعة الإحسان وليست طاعة المسؤولية من خلال طبيعة المضمون الذي تحتويه أوامر الوالدين ونواهيهما، كما هو الحال في طاعة الله ورسوله وأولي الأمر.