بحكم بلوغي ما بعد الأربعين، فقد أجد نفسي مؤهلةً لنصحك بعض النصائح، التي كنت أتمنى لو أنني سمعتها مسبقًا بدلًا من تجربتها شخصيًّا. قد تكون التجربة هي من تصنعك، وتوجهك، وتمهد طريقك نحو تلقٍّ أفضل للعلم والمعرفة، أو تدفق أقوى لكيفية إنجازك للمهام، وانخراطك في توجهاتٍ أسمى. التجارب تشّد أزرك، وتصلّب عودك، وتجعلك شخصًا لا يطير في مهبّ الريح، حين يتعلّم كيف يصطاد في بحيرة الحقيقة، ويربّي ويشذّب أخلاقياته في منظومةٍ دقيقةٍ قويمة. اجعل تجربتك مهما كانت صعوبتها، أو قساوتها أو مأساويتها، أن تكون دليلًا لك في حياتك. إحدى هذه التجارب التي مررت بها، تجربة موت من تحب. تلك التجربة أنضجت عودي، وجعلتني أدرك أن أرواحنا تتقلب وتتحرك في محيطنا، وساعة تسقط ورقتنا، ترتفع روحنا عند بارئها. فحياتنا قصيرة لنعتاش من وراء الصراعات، المكائد، والدسائس. الحياة قصيرة لنجعلها مسرحًا للعب دور الضحية، أو المنافق، أو النرجسي، أو الحديّ. الحياة قصيرة؛ لنبخل على أنفسنا، ونكنز أموالنا، وخبيثة؛ لنبعثر أموالنا في الملذات والسهرات والاستعلاء والإفراط. الحياة قصيرة لنجعلها مرتعًا للسخرية، والتفاهة، والفوقية، والدناءة. الحياة قصيرة تحتاج إلى استغلال وقتك في كل ثوانيها ولحظاتها، تحتاج لاستغلالها في أمر يجعلك من النخبة عند موتك، قصيرة جدًا لتكون إرثًا مهمًا. قصيرة لتكون معلمًا لعائلتك ومحبيك ومريديك وطلابك.
لكنها محفوفة بالشقاء، إن أردت أن تنسجها بأشواك التعاسة. وممهدة بالبؤس، إن اخترت أن تزخرفها بالسوداوية والتعاسة. ومعبّدةٌ بالسلبية، إن افترضت أن لا شيء يستحق الحياة. تلك حياتك التي ستنسجها كخيّاط بارع، يمدد الخيوط الحريرية، يقبّلها ويحتضنها قبل أن يحيك بها قصته على ثوب هذه الأرض. يمسك ذاك الثوب ويضمه بحنان ليتغلغل إلى أعماقه، فيرتشف من عفويته، وسموّ أخلاقه، وسويّة نفسه التي بذلها في سبيل المحبة والرحمة والعطاء. ثم تبدأ بشدّ هذا الخيط تارةً، وجذبه تارةً أخرى، وإرخائه عندما تجد أن الحياكة قد شتت شكل القصّة التي تود روايتها لأحفادك وأحفادهم. ثم تبدأ بإضافة الزينة التي ستجمل أيامك، وتجعلك على ثقة أن الغد أفضل، وأنك ستمر بعقبات، وقمم وقيعان، لتقوم تلك الزينة برفع معنوياتك كلما تذكرت أن النعم التي تعيش بها هي هبةٌ لا يمكنك دحضها، وأن النقم هي جزء من الابتلاء الذي ستصبر وتصابر لتستعيد رباطة جأشك لتغلبها وتنتصر على ضعفها.
أنت هو أنت، مهما مرّ بك من مآسٍ ووقائع ومصائب. أنتَ أنتْ، من صنعت حياتك بقوة واحترافية لتجعلك ما تبدو عليك. فأحب نفسك، واحتضنها، وربت على سواعدها، فهي تستحق. انظر للمرآة كل يوم، وأشكرها على تحمل صعاب الحياة، ثم أشكرها على ما وصلت إليه. وانقدها أيضًا على بعض ما تجد قصور به، ونبهها أن عليك أن تكون أقوى مما وصلت إليه، وأن عليها أن تتفوق أكثر وترفع من سقف توقعاتها لا توقعاتك فقط. اكتب لها على حائط الأمنيات في غرفتك بضع رسائل حب، ورسائل دافعية، ورسائل تهنئة، ورسائل عتاب. اجعل هذا الحائط معلمًا تذكاريًّا تعود إليه كل يوم، أو كل أسبوع، لتجدد قالبه، وتزركش حوافه بصورةٍ تجدها جميلةً عندما التقطتها، وبعبارةٍ أثارت فضولك، أو تساؤلاتك أو مشاعرك. ألصق عليه عبارة ودٍ من صديق، أو بطاقة تحفيز من مدير، أو ورقة تشجيع من عميل.
اجعل حياتك بسيطةً، لطيفةً منسجمةً مع رؤاك وأفكارك وتوجهاتك. اجعل أفكار الآخرين نبراسًا لطريقك إن كانت تستحق، لا تتمنع فتندم. ولا تكن إمعةً فتكون كذرّة رمال، تذروها الرياح.