لماذا لم يتزوج النبي يحيى عليه السلام

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٣ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
أولا :عدم زواج سيدنا يحيى عليه السلام غير متفق عليه حيث لم يرو في ذلك خبر صريح صحيح ،  بل قد ذهب بعض التابعين والمفسرين أنه تزوج مع عدم حاجته للنساء كما روي عن سعيدبن المسيب قال " كَانَ لَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِبَصَرِهِ " .

ثانياً : أكثر المفسرين وأهل السير والأخبار أنه لم يتزوج وذلك انقطاعا منه للعبادة وتبتلا منه وكان ذلك جائزا في شرعيتهم ثم نسخ في شرعيتنا فلا رهبانية في الإسلام .

وقد أعان الله يحيى عليه السلام على ذلك فصرف عنه الحاجة إلى النساء فلا تشغله عن العبادة مع القدرة عليهن لا بسبب العجز والحصر عنهن !

وعلى ذلك يكون معنى حصوراً الوارد في قوله تعالى (  وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) بأنه حصور من حاصر ، فهو الذي حصر نفسه عن النساء تعبدا وتبتلا وعبادة ، لا أنه محصور بمعنى مفعول يعني أنه لا يقدر على إتيان النساء لأن  هذا عيب وليس فيه مدح !

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان : 

" وَالتَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَحَصُورًا أَنَّهُ الَّذِي حَصَرَ نَفْسَهُ عَنِ النِّسَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ تَبَتُّلًا مِنْهُ، وَانْقِطَاعًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ، وَأَمَّا سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ التَّزْوِيجُ وَعَدَمُ التَّبَتُّلِ، أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَصُورَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَأَنَّهُ مَحْصُورٌ عَنِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ عِنِّينٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ; لِأَنَّ الْعُنَّةَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ فِي الرِّجَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى يُثْنَى عَلَيْهِ بِهَا، فَالصَّوَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ."


و قال القاضي عياض في كتابه الشفا في حقوق المصطفى بعد أن ذكر أن زواج نبينا محمد وتعدده كان فضيلة في حقه قال : 

" فإن قيل : كيف يكون النكاح وكثرته من الفضائل ، وهذا يحيى بن زكريا عليه السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصوراً ؛ فكيف يثنى الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة ؟! 

وهذا عيسى ابن مريم عليه السلام تبتل من النساء ، ولو كان كما قررته لنكح ؟

فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى ـ بأنه حصور ـ ليس كما قال بعضهم : إنه كان هيوباً ، أو لا ذكر له ؛ بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء ، وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام ، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب ، أي : لا يأتيها ، كأنه حصر عنها .

وقيل : مانعا نفسه من الشهوات ، وقيل : ليست له شهوة في النساء .

فقد بان لك من هذا : أن عدم القدرة على النكاح نقص ؛ وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها ، إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام ، أو بكفاية من الله تعالى كيحيى عليه السلام ، فضيلة زائدة ؛ لكونها مشغلة في كثير من الأوقات ، حاطّة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه : درجة علياء ، وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم ، الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه ، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن . " .