دعنا نجمع هذه الكلمات معاً، الفكر، العقل، البرهان، عندها ينتج لدينا ما ندعوه منطقاً.
إذ أنه آلة الفهم الصحيح والاستنتاج العميق للأمور وهو ما يحدد صواب الشيء من عدمه بعيداً عن عاطفتنا تجاه ذلك، فليس ما نرغبه دوماً هو الصواب ولا الصواب هو ما نتمنى حدوثه.
كان أوّل من تعاطى بالمنطق تاريخياً الفيلسوف اليوناني أرسطو، إذ يعتبر أبٌ لهذا العلم ومؤسسه وهو من وضع قواعده وذلك دون التطرق لكلمة المنطق ذاتها، حيث كان نتاجه يسمّى بالعلم التحليلي؛ أي تحليل الفكر وقياسه والاستدلال بالعلم. إلى أن جاء المشائين وهم كتّاب أرسطو وأطلقوا على ذلك لفظة المنطق، كان منهم شيشرون، والإسكندر الأفروديسي، وجالينوس.
وقد وصف أرسطو ذلك بأنّ العلم نظام استدلالي وأن له ركيزة أساسية وهي الحقيقة التي تعتمد على الخبرة لاستنتاجها وهذا حتماً يحتاج إلى العقل والحواس التي تمكّننا من الخوض بتفاصيل الأمور وخباياها ومعرفة هيئتها الحقيقية المسلّم بها.
وضع أرسطو ثلاثة قوانين رئيسة لذلك وهي:
1. قانون الهوية ويتكلم عن أنّ الشيء هو ذاته؛ فالقلم مثلاً هو قلم وليس شيئاً آخر.
2. وقانون عدم التناقض؛ أي أنّ الشيء لا يمكن أن يكون هو ونقيضه في الوقت ذاته فنقيض الشيء هو نفيه.
3.وقانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع.
- ولأن العرب من أوائل روّاد العلم منذ القدم فقد كان لهم تطرّق واضح للمنطق والتعامل به، وكانت لديهم تسميات مختلفة له منها: علم الميزان، ورئيس العلوم كما أطلق عليها الفارابي، وخادم العلوم أطلقها ابن سيناء، أمّا عند الغزالي فقد سُمي معيار العلم.
كان السّباق من علماء العرب في التعامل مع المنطق هو الفارابي وقد عُرف حينها بالمعلم الثاني نسبةً إلى أنّ أرسطو هو المعلم الأول. وأظهر الفارابي المنطق على أنّه درجات ثلاثة: الأولى هي أن المنطق آلة العلوم وهو الذي يمنحنا القدرة على تمييز إن كان ما تذهب إليه عقولنا هو حقّ أم باطل، والدرجة الثانية هي أنّ المنطق ميزان لأفكار البشر يعطيها قيمتها الحقيقية كما يفعل الميزان في كيل الأشياء، أما الدرجة الثالثة فهي أنّ المنطق علم قائم بحد ذاته وليس تابعاً لأي علم آخر. جاء بعد ابن سيناء حيث وصف المنطق على أنّه الأداة التي تمنع حدوث الخطأ في التفكير وتعصم الذهن عن ذلك. تلاهم أبو حامد الغزالي وأبدى أهميّة كبيرة للمنطق وقال عنه في أحد كتبه " إن من لا يُحيط به، فلا ثقة بعلومه".
- أمّا في عصر النهضة فقد كان هناك اختلافاً قليلاً عن أرسطو للمنطق؛ فظهر منطق الاستقراء عوضاً عن الاستدلال الذي تحدث عنه أرسطو، وكان من أهم روّاده في تلك الفترة هم: بيكون، وجون ستيوارت مل، وبيرتنارد راسل. دعا بيكون إلى تصحيح المنطق الأرسطي الصّوري المجرّد لفهم الطبيعة إلى منهج تجريبي، وقال إنّه لا بدّ من فهم العلاقات بين مكونات الطبيعة حتى نتمكن من فهمها ومحاكاتها وتقليدها، وقد تطرّق إلى ثلاثة طرق يعمل من خلالها الفكر العلمي وهي: طريقة العنكبوت، وطريقة النمل، وطريقة النحل.
وصف طريقة العنكبوت ب "دوغمائية" وهي التعصّب الكامل ورفض الأفكار الأخرى حتى لو لم يكن لديه دليل، ويرى طريقة النمل على أنّها تجريبية؛ حيث تقوم بجمع الأمور من هنا وهناك، أمّا طريقة النحل فوصفها بالإبداعية؛ لقدرته على صناعة العسل مما هو متاح لها من الطبيعة.
أمّا بالنسبة للمنطق في عصرنا الحديث فكان له ثلاثة أنواع: أولاً منطق الاستقراء الذي كان رائدة الفيلسوف فرانسيس بيكون، ثانياً: المنطق البراغماتي الذي يُعطي العلم مصداقيّته اعتماداً على نتائجه العملية والمنطق الرياضي، ثالثاً: منطق دلالات الألفاظ، وهو مرتبط بشكل أساسي باللغة؛ لأن لها دور كبير في تكوين الفكر. ومن أهم روّاد المنطق في العصر الحديث: جورج بول والفرد نورث وايتهد.
يتبيّن لنا أنّ مفهوم المنطق تطوّر عبر العصور مستنداً على التقدّم العلمي والتكنولوجي والرقمي، لكن مما لا شكّ فيه هو أنّ المنطق ضرورة لا يمكن الحياد عنها أو تجاهلها؛ فمن خلاله يمكننا تقييم وتقويم أفعالنا وأفكارنا مهما كانت مصادر معلوماتنا مختلفة ومتناقضة.