إذا كان الجهل عارض مؤثر بحيث يعذر به صاحبه، فلا يؤاخذ شرعًا، ويكون له به عذر مقبول إن كان جاهلًا، لكن ذلك في أمر لم يقصر في تعلمه، كأن جهل الحكم وهو حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء فلم يجد من يعلمه.
- أما إذا كان هذا الجهل بسبب تقصيره في طلب العلم فلا يكون جهله عارضًا مؤثرًا في عدم مؤاخذته، بل يؤاخذ بهذا الجهل لتقصيره في دفعه بالتعلم.
- وعليه: فالجهل الذي يعذر به صاحبه هو (الجهل بالحكم)، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله.
مثاله: فمن سرق أو زنى وهو لا يدري حقيقة أن السرقة أو الزنى حرام، فلا شيء عليه، ويعذر بجهله.
- ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لمن اعترف على نفسه بالزنا قال له" فهلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ ". رواه أبو داود.
قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد تعقيباً على هذا الحديث: أنَّ الحدَّ لا يجب على جاهلٍ بالتحريم؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى، فقال " أَتَيْتُ مِنْها حَرَاماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً.
- أما من علم أن فعله محرم وهو يجهل عقوبته المترتبة عليه، فهذا لا يعتبر عذراً، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم.
ومثاله: من ترك الصيام أو الصلاة وهو يجهل أنهما فرض، فهذا يعذر بجهله ولا يكفر، أما من تركها وهو يعلم أن تركها حرام ولكن لا يعلم أن تركها كفر فهذا لا يعذر.
- وهذا ما يؤكده حديث الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان حيث كان عامداً عالماً بحرمته بدليل قوله " هَلَكْتُ "، وفي رواية " احْتَرَقْتُ "، فقد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ولم يعذره بجهله بها، رواه البخاري ومسلم.
-قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعقيباً على هذا الحديث:
فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟
فالجواب: هو جاهل بما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول " هلكت "، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر.
- وخلاصة القول: أنه لا عذر للمسلم إذا جهل بالحكم الشرعي بسبب ما، أما إذا كان عارف الحكم ولكنه يجهل العقوبة فلا عذر له وسيحاسبه الله تعالى على علمه بالحكم وفعله للذنب رغم أنه يعلم أنه حرام.
- وعلى المسلم أن يتفقه في دينه وخاصة في الأمور الواجبة عليه فعلها والواجبة عليها تركها.
- فما أوجبه الله على كل مسلم مكلف بعينه، فلا يعذر أحد بجهله، ويتفاوت حسب حاجة الشخص، فمثلا الحاجة إلى العلم بالعبادات حاجة عامة ولكن ما يحتاجه التاجر بأحكام البيع يختلف عما يحتاجه الطبيب من أحكام، لذلك يجب على كل مسلم أن يتزود من العلم الشرعي ما يحتاجه لتجنب الوقوع في الظلم.
- وقد يكون التفقه غير واجب على المسلم بعينه إذا كان ما أوجبه الله على مجموع المسلمين، فإن إقامة بعض الناس، سقط الإثم عن الآخرين فالتخصص في العلم الشرعي والتعمق فيه هو فرض كفاية، لأنه يصعب على الجميع أن يتفرغوا ليتخصصوا فيه بالإضافة لحاجة المجتمع للتخصصات الأخرى.