الأرجح بأن الذين يبكون في الصلاة يكون بكائهم من خشية الله تعالى.
- فقد ثبت عن الصحابي عبدالله بن الشخير رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل) يعني يبكي. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح النسائي.
- فالشخص الذي يبكي وهو يصلي خشية من الله تعالى، والذي يبكي عند قراءة القرآن الكريم يتصف بصفات الصالحين، ويكون من الخاشعين، وهذا من فضل الله تعالى عليه.
- فإن البكاء من خشية الله سبحانه وتعالى من دأب الصالحين وهو محمود ومطلوب، وقد أخبرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن العين الباكية من خشية الله لا تمسها النار، فقال في الحديث النبوي الشهير: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي وحسنه.
- وأكثر ما يكون المسلم قريب إلى الله تعالى ويكون خاشعا خائفا من الله تعالى في الثلث الأخير من الليل والناس نيام ورب الملكوت يتجلى بصورة تتلاءم مع جلاله فينزل إلى السماء الدنيا ويقول يا عبادي من له مسألة فأعطيه ففي مثل تلك اللحظات تشعر بالخوف مع الرجاء وتبكي من خشية الله تعالى طالبا منه تبارك في علاه حاجتك ومسألتك.
- وإذا كنت ترغب بأن تصل إلى مرحلة البكاء والخشوع فعليك سماع آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن نعيم الجنة ليفرح قلبك وتسأل ربك وأنت تبكي بأن تكون من الفائزين، وأن تسمع كذلك الآيات التي تتحدث عن مصير الكفار ليترجف قلبك ولتشعر بالحاجة إلى رحمات الله وأن يرضى الله عنك.
- وليس شرطا أن تبكي في الصلاة فلربما انعزلت بمكان لا يعلمه أحد وبدأت تناجي ربك وأنت تبكي خوفا ورجاء من الله أن يرضى الله عنك وأن يدخلك الجنة.
- وهناك تفصيل في قضية البكاء في الصلاة فيجب أن لا يكون بصوت عال وأن يكون بصوت خافت.
- وعندما سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن البكاء أثناء الصلاة هل تبطل الصلاة:
- أجاب بقوله: إن البكاء في الصلاة إذا كان من خشية الله عز وجل والخوف منه وتذكر الإنسان أمور الآخرة وما يمر به في القرآن الكريم من آيات الوعد والوعيد فإنه لا يبطل الصلاة.
-وأما إذا كان البكاء لتذكر مصيبة نزلت به أو ما أشبه ذلك فإنه يبطل الصلاة؛ لأنه حدث لأمر خارج عن الصلاة.
- وعليه أن يحاول علاج نفسه من هذا البكاء حتى لا يتعرض لبطلان صلاته، ويشرع له أن لا يكون في صلاته مهتماً بغير ما يتعلق بها فلا يفكر في الأمور الأخرى؛ لأن التفكير في غير ما يتعلق بالصلاة في حال الصلاة ينقصها كثيرا.
- فربما البكاء يكون في الصلاة لمصاب دنيوي: وكان الشخص مغلوبا عليه، ولا يستطيع دفعه ففي ذلك ليس عليه حرج، وفي هذه الحالة لا تبطل صلاته.
- أما إن كان يقدر على دفعه فلم يدفعه واسترسل معه وكان بكاؤه بصوت عال فهو مبطل للصلاة عند الأئمة الأربعة رحمهم الله، واشترط بعضهم كالشافعي وأحمد لبطلان الصلاة أن يظهر منه حرفان.
قال ابن قدامة رحمه الله: "َأَمَّا الْبُكَاءُ وَالتَّأَوُّهُ وَالْأَنِينُ الَّذِي يَنْتَظِمُ مِنْهُ حَرْفَانِ فَمَا كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ خَوْفِ اللَّهِ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ"
- وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "مَا يُغْلَبُ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي مِنْ عُطَاسٍ وَبُكَاءٍ وَتَثَاؤُبٍ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ".
وعلى الذي أصيب بمصيبة دنيوية أن يصبر، أن يكثر من الدعاء ليعينه الله على مصابه، ويرزقه الصبر عليه والاحتساب.