نعم كلمه الله تعالى من وراء حجاب عدما عرج إلى السماء في معجزة الإسراء والمعراج .
- لقد أرسل الله الأنبياء لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور وتوحيد الله عز وجل، منهم من أوحى إليهم من وراء حجاب أو عن طريق الملائكة مثل جبريل عليه السلام، ومنهم من كلمه مباشرة، قال الله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ) [ البقرة، 253].
- ومن الأنبياء الذين كلمهم الله تعالى: نبينا موسى عليه السلام، ونبينا آدم عليه السلام، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ) قال ابن كثير: " يَعْنِي: مُوسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ آدَمَ ".
- أين كلّم الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكيف؟!
كلّم الله عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة وعن طريق جبريل عليه السلام، فكان جبريل ينزل إلى الأرض حيث النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء ويوحي إليه.
-وفي ليلة الإسراء والمعراج عندما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة عن طريق البراق كلَّمة الله تعالى مباشرة، والدليل: هو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن نص الحديث الشريف:
( فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً)
- وهنا في قول الله عز وجل: (يا محمد) فإن ياء النداء تدل على تكليمه للرسول صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة وبكل وضوح.
- وأيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يارب) فهذا يبرهن على وقوع الحوار والمخاطبة، قال " الحافظ ابن حجر رحمه الله: " هذا من أقوى ما استُدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلَّم نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة".
- مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كلّمه الله تعالى؛ إلا أنه لم يراه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رأيتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "نُورٌ أَنَّىٰ أَرَاهُ"؟. رواه مسلم.
- وهذا يدل على أهمية ركن الصلاة فقد فرض في السماء وهو بمثابة هدية ومكافأة من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في حادثة التكريم الرباني وهي رحلة الإسراء والمعراج - بعد موت الزوجة والعم المدافع عنه (أبو طالب) وبعد حادثة الطائف وصد قومه عنه وإعراضهم عن دعوته!
- وكأن الله تعالى يقول له يا محمد: إذا كان أهل الأرض لم يرحبوا بك فأهلاً بك في السماء وبين أهل السماء!!!
- ومن أهمية الصلاة كذلك أن القرآن كله نزل بوحي من جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة فكانت من الله جل في علاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة - لتكون حبل الصلة بينه وبين خالقه ومعراج المؤمن إلى الله في اليوم خمس مرات!!
- وقد يطرأ لنا سؤال: إذا كان الله تعالى قد كلّم النبي صلى الله عليه وسلم فلِم لم يُسمى النبي صلى الله عليه وسلم كليم الله؟ كما سُمي موسى عليه السلام بذلك عندما كلمه ربه؟!
- قال الشيخ عبد الرحمن المحمود – حفظه الله - :
(ولعل العلة - والعلم عند الله سبحانه وتعالى - في تسمية موسى " كليم الله " مع أن الله كلَّم محمَّداً وكلَّم آدم : أن الله كلَّمه على الأرض وهو على طبيعته البشرية , بخلاف تكليم الله لآدم فإنه كلمه وهو في السماء , وتكليم الله لمحمَّد فإنه كلمه وقد عرج بروحه وجسده إلى السماء , أما تكليمه لموسى : فهو على الأرض، وهذا فيه خصوصية لموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم) .