وقع ذلك فوق السماء السابعة عند العرش .
فقد كلم الله سبحانه رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى السماوات العلى في رحلة المعراج ، لما صعد مع جبريل إلى السماوات بعد أن أسري به إلى بيت المقدس - على الصحيح - ، حتى بلغ نبينا مع جبريل فوق السماء السابعة إلى سدرة المنتهى ، ثم أمر جبريل رسولنا أن يتابع صعوده وحده لأنه لم يؤذن الله بمجاوز هذا الحد ، فجاوز نبينا عليه السلام حتى وصل قريباً من العرش وسمع صريف أقلام الكتبة ، وفي هذا المقام كلم الله سبحانه نبيه محمداً مباشرة وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس وأوحى إليه ما أوحى مما شاء الله .
وقد فرضت أولاً خمسين صلاة فلما نزل نبينا مع جبريل والتقوا بموسى في السماء السادسة سأله موسى كم فرض الله على أمتك فأخبره أنه فرض عليهم خمسين صلاة ، فأخبره أن أمته لن تحتمل ذلك ، وأنه خبر الناس من معالجته وتعامله مع بني إسرائيل ، ونصحه أن يرجع إلى الله ويسأله التخفيف ، فرجع فسأل الله التخفيف فخففت عشراً ، ثم نصحه موسى أن يسأل مزيد تخفيف ، فسأل فخففت عشرة أخرى ، وهكذا حتى بلغت خمس صلوات ، وقد كان جبريل مع رسول الله فلو كان هذا بواسطة ملك ما احتاج أن يرجع فيسأل التخفيف ، فدل ذلك أن الكلام كان مباشرة بين ربنا سبحانه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام .
جاء في حديث المعراج (.. فَقالَ - يعني موسى عليه السلام - : يا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إلَيْكَ رَبُّكَ؟ قالَ: عَهِدَ إلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وعنْهمْ، فَالْتَفَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى جِبْرِيلَ كَأنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ في ذلكَ، فأشَارَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ: أنْ نَعَمْ إنْ شِئْتَ، فَعَلَا به إلى الجَبَّارِ، فَقالَ وهو مَكَانَهُ: يا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فإنَّ أُمَّتي لا تَسْتَطِيعُ هذا، فَوَضَعَ عنْه عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إلى مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إلى رَبِّهِ حتَّى صَارَتْ إلى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ..) .
وقد ذكر ابن حجر أن هذا من أقوى ما يستدل به على كلام الله مع نبيه محمد مباشرة دون واسطة ملك .
والآيات التي في مطلع سورة النجم تفيد هذا المعنى أيضاً .
وقد روي في حديث آخر أن الله كلم نبيه في رؤيا منام لرسول الله ورؤيا الأنبياء حق فهي حق ، ولكن لا يقال لها مكان معين .
والله أعلم