الأصل أن التوبة الصادقة والنصوح سبب لمغفرة الذنب وتجنيب العبد عقوبته في الدنيا والآخرة، ولكن مع ذلك قد يعاقب العبد على ذنبه وخاصة عقوقه لوالديه رغم توبته من العقوق، وتكون هذه العقوبة في الدنيا سبباً إضافياً من أسباب تكفير الذنب عن العبد.
وتوضيح ذلك أكثر:
أن الذنوب لها شؤمها وعقوبتها في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا قد يبتلي الله المذنب بهذه الذنوب في صحته أو ماله أو أهله أو غير ذلك، وفي الآخرة بأهوال يوم القيامة وعذاب النار نسأل الله العافية.
لكن إذا تاب العبد من ذنبه فإن الأصل أن هذه التوبة تكون سبباً في مغفرة الذنب ومحو أثره متى اجتمعت شروط التوبة الصادقة والنصوح بالإقلاع عن الذنب والندم الحقيقي والعزم الصادق على عدم العودة، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد قال سبحانه (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً).
ولكن قد يكون الذنب كبيراً وعظيماً والتوبة فيها ضعف وليست قوية فيبقى للذنب أثراً يعاقب لأجله العبد في الدنيا، وذنب عقوق الوالدين من هذه الذنوب العظيمة.
جاء في الحديث (ما ذَنْبٌ أَحْرَى أنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصاحِبِه العُقُوبَةَ في الدنيا، مع ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخرةِ من قَطِيعَةِ الرَّحِمِ و البَغْيِ) (الأدب المفرد للبخاري).
وعقوق الوالدين من أعظم من قطيعة الرحم وأشدها، وهي من أكبر الكبائر كما هو معلوم، ومثل هذه الذنب يحتاج توبة عظيمة وندم كثير ولا يكفي فيه توبة سريعة أو استغفار دقائق، فإذا ضعفت توبة العبد عن تكفير أثر ذنبه كان من الممكن أن يعاقب الله العبد على ذنبه في الدنيا.
وقد يكون من أثر هذا العقوق أن يدعو أحد الوالدين على ابنه فيستجيب الله دعاء الوالد على ابنه فيبتليه ويعاقبه على ذنبه ولو كان تاب منه، ويكون ذلك شفاء لقلب الوالد.
ولكن عليك أن تعلم أن هذه العقوبة في الدنيا قد تكون خيراً للعبد، لأن هذه العقوبات تكون كفارة للذنب أيضاً فيجتمع توبة العبد مع العقوبة التي أصابته عليها فيكون ذلك كفيلاً في تكفير أثر هذه الكبيرة فإذا لاقى الله يوم القيامة لقيه بدون ذنب وهذا أخف عليه، فعقوبة الدنيا أخف من عقوبة الآخرة.
والله أعلم