هل الموسيقى حرام حتى في الأناشيد الإسلامية والتي فيها مدح للرسول أو حث على الطاعات؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٩ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
الراجح أن الموسيقى أو المعازف محرمة لا يجوز استماعها مطلقاً سواء كانت في الأناشيد الإسلامية والمدائح النبوية أو كانت مع الأغاني المعاصرة الماجنة ، وإن كان مرافقة الموسيقى للأغاني الماجنة التي فيها فحش وإثارة للشهوات يزيد الحرمة ويجعل الإثم مضاعف .

وليس كون كلمات النشيد فيها مدح للنبي عليه الصلاة والسلام أو حث على الطاعات بمبيح للموسيقى أو المعازف المرافقة لها ،فالنية لا تبيح الموسيقى ، و الواقع الذي يعلمه كل واحد منا أن الأثر النفسي الذي يجده في داخله عند استماعه لهذه الأناشيد المرافقة للموسيقى جزء كبير منه عائد إلى تأثر النفس وتفاعلها مع الموسيقى المرافقة وليس هو نوع خشوع أو تفاعل مع الكلمات أو المعاني ، وهو تفاعل لحظي سرعان ما يزول بزوال المؤثر .
ومن كانت نيته بالنشيد مدح النبي عليه الصلاة والسلام أو الحث على الطاعات حقاً فلماذا يدخل الموسيقى والمعازف على ذلك ؟ بل ليجعل حسن الكلمات وتأثير الموقف هو المحرك للنفس لا المؤثرات المرافقة لها فذلك الذي يدوم وينفع ويحقق المقصد فعلاً .

وقد سئل العلماء قديماً ومنهم الشافعي وأحمد رحمهما الله عن شيء اسمه "التغبير" وهو نوع من النشيد المرافق للدف أو غيره أحدثه بعض الصوفية في زمنهم لتحريك النفس إلى ذكر الله ومحبته - وسمي تغبيراً لأنه يذكر بالغابرة يعني الآخرة - فأفتوا ببدعية هذا الفعل وأنه لم يكن من هدي السلف الصالح ، مع أن الدف مباح في الأصل .

قال الشافعي رحمه الله "  "تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير) ،أحدثه الزنادقة،ويصدُّون الناس عن القرآن" .

والواجب على المسلم أن يجعل خشوعه وخضوعه وتأثره بالسماع الشرعي الذي هو سماع القران لا يجعله بسماع الموسيقى و المعازف ونحوها .

قال ابن تيمية رحمه الله "  وإلا فمن المعلوم أن سماع القرآن هو سماع النبيين والعارفين والمؤمنين ... وبهذا السماع هدى الله العباد وأصلح لهم أمر المعاش والمعاد وبه بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وبه أمر المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان . وعليه كان يجتمع السلف كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اجتمعوا أمروا رجلا منهم أن يقرأ وهم يستمعون وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لأبي موسى : ذكرنا ربنا فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون . ... وإنما حدث سماع الأبيات بعد هذه القرون فأنكره الأئمة حتى قال : الشافعي - رحمه الله - خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يزعمون أنه يرقق القلوب يصدون به الناس عن القرآن . وسئل الإمام أحمد عنه فقال : محدث فقيل له : أنجلس معهم فيه ؟ فقال : لا يجلس معهم . والتغبير هو الضرب بالقضيب على جلودهم من أمثل أنواع السماع . وقد كرهه الأئمة فكيف بغيره والأئمة المشايخ الكبار لم يحضروا هذا السماع المحدث مثل الفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي وأمثالهم "

وذكر الشيخ رحمه الله شيئا من حال هؤلاء الذين لا تخشع أنفسهم ولا تتحرك ولا تتأثر إلا بسماع المعازف المرافقة لمثل هذه الكلمات ويعتقد أنه يتقرب إلى الله ، فإذا تلي عليه القران كسلت نفسه وذهب وجده ! 

قال رحمه الله "  .. لا سيما كثير من هؤلاء الذين يتخذون هذا السماع المحدث طريقا يقدمونه على سماع القرآن وجدا وذوقا . وربما قدموه عليه اعتقادا فتجدهم يسمعون القرآن بقلوب لاهية وألسن لاغية وحركات مضطربة وأصوات لا تقبل عليه قلوبهم ولا ترتاح إليه نفوسهم فإذا سمعوا " المكاء " و " التصدية " أصغت القلوب واتصل المحبوب بالمحب وخشعت الأصوات وسكنت الحركات فلا سعلة ولا عطاس ولا لغط ولا صياح وإن قرءوا شيئا من القرآن أو سمعوه كان على وجه التكلف والسخرة كما لا يسمع الإنسان ما لا حاجة له به ولا فائدة له فيه .." .

وذكر القرطبي في تفسيره أن الإمام أبا بكر الطرطوشي - وهو من علماء المالكية المعروفين - سئل رحمه الله  : 

" ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية... و أنه اجتمع جماعة من رجال،فيكثرون من ذكر الله تعالى،وذكر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم،ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيءٍ من الأَديم،ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد،حتى يقع مغشيّاً عليه،ويحضرون شيئاً يأكلونه.

هل الحضور معهم جائز أم لا؟
أفتونا مأجورين،يرحمكم الله.

وهذا القول الذي يذكرونه:

يا شيخُ كفَّ عن الذُّنوبْ ..... قبلَ التَّفرُّق والزَّللْ
واعْمَلْ لنفْسِكَ صالحاً ....... ما دام ينفعك العْملْ
أما الشبـابُ فقد مَضَى ...... ومَشيْب رأسكَ قد نَزَلْ"

وفي مثل هذا ونحوه.

فأجاب رحمه الله : 

" يرحمك الله،مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة،وما الإسلام إلا الكتاب الله،وسنة رسوله،وأما الرقص والتواجد،فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ،لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار,قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون,فهو دين الكفار,وعبّاد العجل.
وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة،ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه،كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار،فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها،ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم،ولا يعينهم على باطلهم،هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين،وبالله التوفيق ".

فالواجب صرف الهمة والنفوس إلى سماع القران والكلام النافع ففيه الخير والصلاح لا إلى سماع الأناشيد المرافقة للموسقى والمعازف  ،ومن المعلوم بالحس والتجربة أن من اعتاد سماع الغناء والمعازف قل سماعه للقران وذهب حضوره وخشوعه عنده وصارت نفسه في الغالب تتطلب سماع المعازف .

وتحريم المعازف والموسيقى هو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور علماء المذاهب ،ولم يخالف في ذلك إلا قلة من العلماء ،وإن كان كثير من المعاصرين تأثروا بالواقع الذي نعيشه من انتشار للموسيقى فذهبوا للإباحة ، والراجح ما ذكرناه .

والله أعلم 


  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة