كان تأسيس أول نموذج من الفصل بين السلطات من قبل الرومان القدماء.
ومن ثم تأطرت هذه هذه النظرية أولا في أوروبا خلال القرون الوسطى، حيث كان ملوكها يتمتعون بالسلطة الواسعة والصلاحيات الغير محدودة والاستبداد بالحكم المطلق، الشيء الذي أدى إلى الديكتاتورية والاستبداد والشطط في الحكم، كما كان الشأن في إنجلترا عند "آل ستيوارت" استنادا إلى ادعائهم "الحق الإلهي في الملك" باعتبار أن الملك هو ظل الله في الأرض. كما وصل الاستبداد بالحكم إلى ذروته بفرنسا في عهد "لويس الرابع عشر".
وأمام هذا الاضطهاد والسيطرة المطلقة دعا الكثير من مفكري أوروبا خلال القرنين السابع والثامن عشر إلى الفصل بين السلطات.
ويعتبر الفيلسوف البريطاني "جون لوك" أول من دعا إلى ذلك، يليه الفيلسوف الفرنسي "مونتسكيو" الذي اشتهر بكتابه "روح القوانين" الذي ضمنه كل آرائه حول مبدأ الفصل بين السلطات.
فجاء مبدأ فصل السلطات وهو مبدأ سياسي صاغه الفرنسي
مونتسكيو، حيث أن مبدأ فصل السلطات هو أحد مبادِئ
الديمقراطية وهو نموذج للحكم الديمقراطي للدول.
كان هناك تطور آخر في الفكر الإنجليزي هو فكرة فصل السلطات القضائية عن السلطة التنفيذية وكان ذلك نتاج الحرب الأهلية الإنجليزية رأى البرلمانيون أن نظام الحكم الإنجليزي يتألف من ثلاثة فروع -الملك ومجلس اللوردات ومجلس العموم- ويجب أن يختص الأول (الملك) بالسلطات التنفيذية فقط، ومجلس اللوردات ومجلس العموم بالسلطات التشريعية. وبعد بضع سنوات، كانت «أداة الحكومة» إحدى أولى الوثائق التي تقترح نظامًا ثلاثيًا لفصل السلطات، وكتبها الجنرال الإنجليزي جون لامبرت في عام 1653، وسرعان ما جرى تبنيها كدستور لإنجلترا لسنوات قليلة خلال فترة الحماية. يتألف هذا النظام من فرع تشريعي (البرلمان)، وفرعين تنفيذيين، مجلس الدولة الإنجليزي واللورد الحامي، ويُنتخب جميعها.
ولقد جاء إقرار مبدأ فصل السلط من أجل وضع قيود على الحكم المطلق وبناء قاعدة مهمة من قواعد الحرية السياسية وذلك بمنع تجمع وتكتل السلطات الثلاث في الدولة (السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية) في يد واحدة.
وهكذا يتضح جليا أن مبدأ الفصل بين السلطات استخدم كسلاح فعال ضد الحكم المطلق وطغيان السلطة، لذا أعلنت الثورات الديمقراطية أنه لا ضمان للحرية إلا بالأخذ بمبدأ فصل السلطات. وإن الفصل بين السلطات يتضمن معنيين أساسين هما: معنى سياسي وآخر قانوني. أما المعنى السياسي فيتضمن عدم تمركز سلطات الدولة الثلاث في قبضة شخص أو هيئة واحدة. أي أن الشخص الواحد لا يجوز أن يتولى أكثر من مهمة واحدة من مهام الدولة الثلاث: التشريع أو التنفيذ أو القضاء.
وأما المعنى القانوني، فيتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطات المختلفة، وبهذا المعنى تنقسم النظم إلى نظام رئاسي ونظام برلماني، ونظام شبه رئاسي. ومن هذا المنطلق تكمن فوائد ومزايا مبدأ الفصل بين السلطات في:
1- صيانة الحرية ومنع الاستبداد.
2- إتقان الدولة لوظائفها وحسن سير العمل بها من خلال تقسيم الوظائف المختلفة للدولة على هيئات مستقلة مما يؤدي إلى إتقان هذه الهيئات وإجادتها لعملها.
3- احترام القوانين وحسن تطبيقها. بروز عدة أنماط للحكم، حيث أخذت بعض النظم السياسية بنظام التعاون بين الهيئات، وهو ما يظهر في النظام البرلماني الذي يتسم بالمرونة على تساوي كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، دون أدنى تبعية أو سيطرة إحداهما على الأخرى. وتعتبر "إنجلترا" مهد هذا النظام منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر.
في حين آثرت بعض النظم السياسية عدم التعاون مع هيئاتها المختلفة وارتأت أن تستقل كل منها عن الأخرى في ممارستها واختصاصاتها الوظيفية كما هو الشأن في النظام الرئاسي وهو يرتكز على مبدأ فصل السلطات وذلك بتوزيع السلطة على هيئات متعددة، وذلك على أساس استقلال كل هيئة عن الأخرى لأقصى درجة ممكنة.
ولقد طبق مبدأ فصل السلطات في الولايات المتحدة تحت اسم النظام الرئاسي أو نظام حكومة الرئيس، الشيء الذي يجعل من رئيس الولايات المتحدة أقوى رئيس دولة في النظم السياسية المعاصر ويتميز هذا النظام بخاصيتين أساسيتين هما:
أ-
تساوي الجهازين التشريعي والتنفيذي في طريقة اختيارهما. فالسلطة التشريعية يتولاها الكونغريس، والمتكون من مجلسين منتخبين مباشرة من طرف الشعب هما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، (حيث ينفرد الكونغرس بالتشريع، إذ ليس من حق السلطة التنفيذية اقتراح القوانين ولا مناقشتها، ولا حل مجلس الكونغرس ولا حتى دعوته إلى الانعقاد إلا في حالة الطوارئ القصوى (ورئيس الجهاز التنفيذي (رئيس الدولة) منتخب كذلك مباشرة من طرف الشعب ويتولى السلطة التنفيذية بالكامل، فوزراؤه مسئولون أمامه مباشرة دون أن يكون للجهاز التشريعي حق استجوابهم أو عزلهم. كما أن المجلس التشريعي لا يحد من مهام الرئيس لكنه لا يستمد الثقة منه، غير أن هذا الأخير يستطيع اتهامه إذا ارتكب جرائم خطيرة تمس بأمن الدولة حيث تتم محاكمته من طرف مجلس الشيوخ.
ب-
استقلال الجهازين عن بعضهما وتساويهما في أن لا أحد منهما يملك أن يضع حدا لسلطة الآخر، وذلك بنص من الدستور. أما القضاة فهم مستقلون، ومن حق المحاكم مراقبة دستورية القوانين عن تنفيذ ما يخالف الدستور. لذا أمكن القول أن هناك ثلاث مؤسسات دستورية أساسية في النظام الأمريكي وهي: الرئيس الممارس للسلطة التنفيذية، والكونغرس الممارس للسلطة التشريعية، ثم المحكمة العليا التي بدأ دورها يتصاعد بفعل مراقبتها لدستورية القوانين.