الدين هو الشرع والقانون والطريقة والمذهب والملّة والعادة والتقليد، من دان به أو دان بالشيء، أي اتخذه دينًا ومذهبًا، أي أعتقده أو اعتاده، ودان بالإسلام دينا أي تعبد به وتدين، وهو الدين أو الملّة، وهو المنهج الذي يتبعه الإنسان في علاقته أو عبادته.
وهنا، نسلط الضوء في الحديث عن بواعث التدين الفطرية، وحاجة الإنسان إلى الدين في حياته، والتي لا يسدّها العلم ولا يمكن الاستغناء عنها في ذلك، وهذه البواعث هي التي تنبثق من ضعف الإنسان وحاجته إلى قوة عليا، جبارة، تنقذه من مهالك الدنيا وعثراتها، تعينه وقت الشدة، ويستغيث بها ساعة الضيق، وهذا الضعف البشري موجود في كل نفس بشرية، ولا يمكن إنكاره حتى لو ادّعى الإنسان غير ذلك.
وهنا نذكر ما قاله الأستاذ محمد قطب: " أن النفس البشرية تحس إحساسًا فطريًّا بالعجر إزاء قوة أكبر منها، ويكون هذا العجر لديها عنصرًا من عناصر الدين... ولقد أدى هذا العجز في تاريخ البشرية إلى كثير من أشكال العبادة، عبادة الوالد، عبادة قوى الطبيعة، عبادة الوثن، وعبادة الله..." (محمد قطب، دراسات في النفس الإنسانية/ 219).
كما من دوافع الفطرة البشرية إلى التدين، إحساسها بالخوف والرهبة أمام هذا الكون العظيم، مما يدفعه إلى البحث عن خالق الكون، ليأنس به ويطمئن قلبه عنده، وبالتالي يبحث عن قربه بعبادته وطاعته.
وهذه البواعث كلها لا يمكن للعلم أن يحلّ محلّ الدين بها، فحتّى لو استطاع العم أن يكشف نظام أحد المخلوقات مثلًا أو يكشف سرّ تكوينه، وحتى لو جاء موافقًا للدين وكشف أسرار من أسرار الكون، فإن هذا لا يغيّر من الحقيقة شيء، حيث أن كل ما في هذا الكون من علم، إنما هو من جهد الإنسان المخلوق، وبالتالي فهو يسير على نسق لا يستطيع العلم تغييره ولا تبديله، وبالتالي فهو علم قاصر لا يصل إلى مرتبة العلم اليقين الذي أخبرنا الله عنه في قوله تعالى: (لو تعلمون علم اليقين) التكاثر: 5
وظيفة الدين وآثاره على المجتمع:
- إقامة الروابط الاجتماعية الحية عن طريق الدين، سواء كانت على مستوى الأسرة أو مستوى المجتمع والوطن، فعزز الدين في النفس البشرية مفاهيم الرحمة والتعاطف، والتكافل، والمحبة، والتعاون، حيث وضح المبادئ الأخلاقية للتعامل مع جميع الفئات في المجتمع، فوضح علاقة الأسرة، ثم علاقة المسلمين ببعضهم البعض، ثم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين، وغير ذلك من المبادئ الأخلاقية التي لا يمكن للعلم تعزيزها في النفس البشرية، حيث أن العلم لا يمكنه تقديم وصفة لتعزيز علاقة الأفراد في المجتمع، أو تعزيز شعور الخوف من الله تعالى وخشيته في النفس البشرية كما يفعل الدين.
- الدين يكفل مهابة النظام الاجتماعي، لأن كل نظام من أنظمة الحياة لا بد أن يكون لها سلطة ورادع، تمنع انتهاك حرماته وتعاقب الذي يعتدي على حق الغير، فيكون هناك قانون عقوبات، وجهاز الشرطة وغيرها من أساليب الأمن والحماية، لكن تبقى هذه الأنظمة عاجزة عن ملاحقة كل فرد بعينه، فيأتي الدين فيكون كرقيب للإنسان على نفسه، فيخشى الإنسان من اقتراف المعاصي وانتهاك الحرمات لخوفه من استحقاق عذاب الله وغضبه على ذلك، وهذا الذي لا يمكن لأي علم كان أن يغرزه في النفس البشرية.
وهناك غيرها الكثير من الآثار التي توضح وظيفة الدين في الحياة وأهميته في ذلك.
وهنا أقول، إن العلم مع كل إنجازاته المادية وتقدّمه على مر العصور، إلّا أنه قاصر عن تقديم إجابة للبشرية حول الأسئلة المتعلقة بمصير الإنسان والغاية من وجوده وسر الخلق والمخلوقات وبعض الظواهر الطبيعية، التي يؤمن بها الإنسان من باب التسليم.
وهذا لا يقلل من قيمة العلم إطلاقًا، بل باختصار لأن هذه المائل ليست من اختصاص العلم، بالطبع كما لا يمكن للدين أن يضع لنا مسائل ومعادلات رياضية تفسر طبيعة الكون المادي، فهذا أيضًا ليس من اختصاص الدين.
ورغم ذلك، فهناك علاقة كبيرة بين الدين والعلم، برأيي فإن كلما زاد علم الإنسان، كلما زاد إيمانه بالله تعالى، خالقه وخالق هذا الكون العظيم، يزداد إيمان الإنسان بأنه استحالة وجود هذا الكون من العدم أو بطريق الصدفة، والتسليم بأن وراء هذا الكون العظيم خالق ومدبّر لذلك.