قال الله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) سورة القيامة (1-2).
- فالله تعالى قد أقسم بالنفس اللوامة: وهي النفس التي تلوم صاحبها على اقتراف الذنوب والمعاصي.
- وقيل: هي التي لا تثبت على حال واحدة، فتكون مترددة، فهي كثيرة التقلب والتلون، وهي من أعظم آيات الله، فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب، وتتلون في الساعة الواحدة -فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعمر- ألوانًا عديدة؛ فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتلطف وتكثف، وتنيب وتجفو، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصي، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها، فهي تتلون كل وقت ألوانًا كثيرة.
- قال الإمام الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا، يقول: ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى، أو نحو هذا من الكلام.
- وقيل: إن النفس اللوامة: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب، ثم تلومه عليه، فهذا اللوم من الإيمان، بخلاف الشقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فواته.
- عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} سورة البقرة 268.
- ولذلك قالوا إذا أردت أن تعرف أنك مؤمن - فأنظر إلى حالك بعد المعصية فإذا لمت نفسك على الذنب والمعصية فأعلم أنك مؤمن وأن فيك خيراً.
- والكل يلوم نفسه المؤمن وغير المؤمن، فالمؤمن يلوم نفسه على ارتكاب المعاصي وترك الطاعات.
- بينما الكافر والشقي يلوم نفسه على فوات شهواتها وحظها من الدنيا!!!
- وقيل: إن لوم النفس يكون يوم القيامة وليس في الدنيا، فالجميع يلوم نفسه، فإن كان مسيئًا لام نفسه على إساءته، وإن كان محسنًا لام نفسه على تقصيره في حق الله تعالى، وعلى عدم التزود من الطاعات في الحياة الدنيا.
- والنفس اللوامة نوعان:
أولاً: نفس لوامة ملومة: وهي النفس الجاهلة الظالمة، التي يلومها الله وملائكته.
ثانياً: ونفس لوامة غير ملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة.
- وقد ورد ذكر النفس الإنسانية في القرآن الكريم على أنواع ثلاثة وهي:
1- النفس الأمّارة بالسوء: حيث تأمر صاحبها بالمعاصي وحب الهوى وملذات الدنيا وشهواتها، وهذه النفس كلها شر.
2- النفس اللوّامة: قال الله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوّامة) سورة القيامة 2، وهي النفس التي تلوم صاحبها على ما اقترف من معاصي وهذه فيها بذرة خير.
3- النفس المطمئنة: قال تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة إلى رجعي إلى ربك راضية مرضية) سورة الفجر (27-28) وهي التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة، فصدّقت بذلك.
- فالنفس البشرية هي نفس واحدة ولكنها تتقلب وتتغير حسب تأثرها بالطاعات أو بالمعاصي، فإذا غلب طاعات النفس معاصيها أصبحت نفساً مطمئنة إلى الله سبحانه حقيقة، ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه، حتى كأنه جالس بين يديه؛ فتسري تلك الطمأنينة في نفسه، وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره: {الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} سورة الرعد 28
- وقد يقترف المسلم بعضاً من الذنوب والمعاصي فإذا لام نفسه على تلك الذنوب والمعاصي وتاب ورجع إلى الله تعالى تاب الله عليه وارتقت نفسه من النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة.