إذا كنت مدربًّا تعمل مع الأطفال، أو معلمةً لمراحل الطفولة المبكرة أو الحضانة، ستجد تنوعًّا في شخصيات الأطفال الذين تتفاعل وتتعامل معهم، فمنهم من هو شديد الهدوء، ومنهم من يقاطعك وأنت تتكلم، ومنهم سريع البكاء، أو سريع الانفعال. ومنهم من يتشتت بسرعة، أو يحب التملك أو العمل لوحده. هذه الشخصيات قد تجدها أيضًا في أطفالك في منزلك، حتى أنك قد ترى تمايزًا بين أبنائك جميعًا. فطفلي الأول كان عنيدًا ومتملكًا، صعب المراس وسريع الغضب، لأنه أول طفل للعائلة من الطرفين. مدلل حتى النخاع من قبل أجداده، أما طفلتي الثانية، كانت خجولة، هادئة جدًا، قليلة الكلام خارج المنزل عكس داخل المنزل، تفضّل اللعب لوحدها. أما طفلتي الأخيرة فقد كانت مدللة العائلة، ويوجد فرق شاسع بينها وبين أختها؛ حوالي تسع سنوات، لذلك كان حب التملك سمةٌ تتمتع بها، اجتماعية تتحدث حتى مع القطط في الشارع. حبها للتملك دفع معلمتها لعتابي على تلك الصفة فهي تقوم بجمع كل الألعاب في الحضانة، ولا تسمح للأطفال الآخرين باللعب معها.
هنا وجدت أن أطفالي؛ طبعًا في مراحل نموهم الأولى، قد يفتقدون إلى مهاراتٍ اجتماعية محددة، تسمح لهم بالتفاعل والتواصل مع الآخرين في تعاملاتهم اليومية سواء كان ذلك التفاعل والتواصل لفظي أو غير لفظي. وهنا كان التعاون ما بيننا كأولياء أمور وما بين الحضانة بدايةً ثم المدرسة لمعالجة هذا الخلل في المهارات. وتم الأمر بنجاح.
إن هذه المهارات الاجتماعية مهمة جدًا إذ تشير إحدى الدراسات أن المهارات الاجتماعية الجيدة قد تقلل من التوتر لدى الأطفال الذين هم في أماكن الرعاية النهارية. كما أن هذه المهارات تدفع الأطفال للاعتماد على أنفسهم، والعمل باستقلالية، والاعتناء بأنفسهم. وتعتبر دروسًا قيّمةً سيستعينون بها في توجيه حياتهم والتعامل مع العالم الحقيقي.
لنتابع الآن أهم المهارات الاجتماعية التي يجب أن نبنيها وندعمها لدى أطفالنا:
* مهارات اتخاذ القرار:
مهارة مهمة قد تبدأ مع الأطفال منذ نعومة أظفارهم. يمكنك البدء مع طفلك عند وصوله لمرحلة يستطيع بها أن يختار مثلًا الملابس التي يريد ارتدائها عند الخروج، أو شراء ملابسه عند التسوق، أو حتى شراء كعكة ميلاده. ثم انتقل لمرحلة مناقشتهم في اختياراتهم من حيث سلبياتها وايجابياتها، والبدء في التعرف على مكافآت القرارات الجيدة وعواقب القرارات السيئة.
* مهارة التفاعل مع الآخرين:
هنا يجب إدراك أمرين؛ كيف يتصرف الأطفال مع الغرباء، والتصرف مع محيطهم. علينا أن نوضح للطفل كيف يكوّن صداقات مع أقرانه، ويميز بين الغرباء الجيدين والسيئين. يحتاج الأطفال إلى تعلم كيفية "قراءة" الإشارات الاجتماعية والاستماع بعناية. يجب أن يفكروا في ما يريدون توصيله والطريقة الأكثر فعالية لمشاركته.
* التركيز والتحكم في النفس:
نقوم بجدولة أطفالنا ضمن أنماط وعادات وروتينات، هذا شيء جيد إذا لم نحكم سيطرتنا عليهم بشكل قاتل. حيث يستطيع الطفل أن يضبط نفسه لوجود حدود وقواعد تحكمه، ويتعلم التركيز عند التحدث معه، واللعب بأنشطة حسية معينة، أو قراءة قصة وسؤالهم عنها، أو لعبة البزل Puzzle. كما يجب أن نبني لديهم القدرة على تنظيم المشاعر والأفكار والسلوكيات، من خلال مراقبة تصرفاتهم، وتوجيههم. وجعلنا أنموذج يقتدون بتصرفاتنا؛ فلا تعتقد أن قذفك للأغراض عندما تغضب سيمر مرور الكرام، بل سيقلده طفلك بكفاءة.
* مهارة التعلم الذاتي مع بعض التوجيه:
عليك توجيه طفلك نحو التعلم، بالتعرف على ما يحب. كما يجب التقليل من المشتات مثل التلفاز والهاتف الخلوي. وجّه طفلك للتعلم من خلال صناعة بعض الألعاب التي تسمح بالاكتشاف. اجعله يستكشف الخارج بالذهاب للحديقة أو المناطق الطبيعية.
* مهارة المرونة والقدرة على التكيف:
ويكون ذلك بترك الطفل يكتشف حلولًا لما يواجهه بنفسه ليكون قادرًا على مواجهة التحديات المستقبلية. كما يجب أن يتكيف مع التغيرات والبيئات المختلفة، سواء كان في المنزل أو الشارع أو المدرسة أو عند زيارة الأقارب أو الغرباء. ابق على تواصل مفتوح مع طفلك لفهم ما يمر به ومساعدته، وبالطبع، يجب عليك أيضًا أن تكون نموذجًا للسلوك المرن في المنزل!
للمزيد من المهارات الاجتماعية، تابع الروابط التالية: