الغنوصية أو التيارات العرفانية، كلمة يونانيّة تعني (المعرفة) . والغنوصيّ هو الذي يعرف ، وقد اختصرها أحدُ أقطابها واسمه تيودوت (القرن الثاني الميلاديّ) ، بهذه الأسئلة : من نحن ؟ ماذا أصبحنا ؟ أين نحن ؟ أين ألقيَ بنا ؟ إلى أين نحن ذاهبون ؟
هو تيّار فكريّ ، يرتكزُ على مفهوم المعرفة ، وقد وصل أوجه في القرنين الثاني والثالث للميلاد في الإمبراطوريّة الرومانيّة خصوصًا . والغنوصيّة ، تعميقٌ للميل المتأصّل في الإنسان الذي يبغي الحصول على المعرفة . وقد تأثّرت ديانات كثيرة بالغنوصيّة بشكل متفاوت.
والغنوصيّ يعدّ العالم فخـــّا نصبته القوى الشريرة ، وإنه هو الوحيد الذي يمكنه من التملّص من هذا الكون ، وذلك بفضل ” قدحة ” المعرفة ، أي تلك الشرارة الموجودة في أعماق الإنسان السحيقة .
وفي الفترة السابقة على ظهور الإسلام ظهرت الغنوصية لتخوض مجابهة حادة مع كنيسة الانتشار المسيحي، إلى حدِّ أن جماعة غنوصية اضطرت، في القرن الرابع الميلادي، إلى إخفاء مدوَّناتها في مأمن من غارات المطارِدين الأرثوذكس – حصل ذلك على النيل. أما على الجهة الأخرى من الفرات فإن الأمور جرت على العكس من ذلك بسبب انتفاء وجود يد الكنيسة الإمبراطورية البيزنطية. في وضع كهذا استطاعت الفرق الغنوصية ذات الأصل المسيحي، في ظل كنيسة نسطورية معتبَرة هرطوقية، أن تفرض نفسها.
وهذا كان سبب احتكاك الإسلام بالغنوصية في بلاد ما بين النهرين. حاولت الغنوصية ارتداء الثوب الإسلامي عبر تأويل خلاصة الوحي القرآني الحقيقي وتفسيره تفسيرا غنوصيًّا؛ لكن الإسلام الرسمي رفض تلك المحاولة الاختراقية. وتمكَّنت الغنوصية في الفترة المتقدمة من العصور القديمة من النفاذ إلى التراث الديني الوثني والإسلامي واليهودي والفارسي، مُحدِثَةً فيها تبدلات عميقة. وما كانت الرسالة الإسلامية لِتَسْلَمَ من مثل هذه المحاولات؛ إذ لم تكن لدى الإسلام الحديث النشأة نظرية فقهية كاملة خاصة به. فقط في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، بدأ الإسلام الغنوصي ينتشر في العراق، لكنه اعتُبِرَ إسلامًا غريبًا، وخاصة من جانب الفقه المتشدِّد، كالشيعة الإمامية التي وَسَمَتْ تعاليم الغنوصيين في صفوفها بـ"الغلو" وصنَّفتهم كزنادقة.
ثمة تقليدان إسلاميان لفرقتين تتمحور تعاليمهما حول أسطورة غنوصية، هما:
1. التقليد المتكوِّن منذ مطلع القرن الثامن الميلادي لشيعة العراق المتطرفين أو الغلاة الذين ورثهم العلويون الحاليون في سوريا.
2. فرقة القرامطة أو الإسماعيلية، الذين ظهرت دعوتُهم في منتصف القرن التاسع في العراق، لينتشروا سريعًا في العالم الإسلامي. وعن الإسماعيلية انشق الدروز مع بداية القرن الحادي عشر.
وعلى هذا نستنتج أن الغنوص الإسلامي ظاهرة عراقية شيعية. لذا يرى بعضهم أن الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب، أصبح موضع نظر الغنوصيين الإسلاميين ومناط أملهم.
المصادر
كتاب الغنوصية في الإسلام
موقع العالم من روما