العلاقة بين النمو الأخلاقي والنمو المعرفي علاقة تكاملية مترابطة، فكلاهما مهم في تطور النمو الاجتماعي بشكل سليم وصحي. والحديث عنهما من وجهة نظري يجب أن يستهدف فئة الأطفال والمراهقين بصورة أكبر؛ لأنها الفئة الناشئة والتي تحمل أهداف المستقبل الواعد.
لذا فإن المعلم في البيئة التربوية إن لم يدعم الجانب الأخلاقي ويعززه عند تلاميذه، كالتعاون مع الزملاء في الصف وخارجه، والمشاركة مع الآخرين واحترامهم وتقبل وجهات النظر المختلفة. في المقابل القيام بدوره الأساسي وهو التعليم، واكتساب المهارات الأكاديمية والاجتماعية المهمة أيضاً لتكمل الرسالة التربوية والتعليمية النبيلة.
فإذا استطاع المعلم أن يدمج بين الجانبين، سينشأ جيل متعلم وخلوق وواعي لقضايا مجتمعه ومتقبل لاختلاف الآخرين عنه.
عزيزي السائل، لتوضيح الجوانب والنظريات المتنوعة والمتشعبة للنمو الأخلاقي والمعرفي، ما رأيك أن نفصّل كل منها على حدة ثم نتشارك في إيجاد العلاقة بينهما.
لنبدأ بالنمو المعرفي..
عندما نتحدث عن النمو المعرفي لا بد من ذكر وجهات النظر المتميزة التي ذكرها بعض من علماء النفس، ولنأخذ أولاً نظرية بياجيه في النمو المعرفي.
والتي أشار إليها بمفهومين الأول هو البنية العقلية، أي التفكير الذي يتكون لدى الشخص في فترة أو مرحلة معينة من حياته.
المفهوم الثاني وهو الوظائف العقلية، وهي كيف يتفاعل الفرد مع المؤثرات الخارجية التي قد يتعامل معها وذلك من خلال عميات معينة.
والجدير بالذكر أن الوظائف العقلية موروثة فلا تتغير مع تقدم وتطور الفرد، في المقابل البنية العقلية هي التي تتغير وتتطور كل ما تطور ونما بشكل أسرع. لذا فهو يعتمد في نظريته على التراكيب البيولوجية الوراثية والتي تتقدم مع العمر باستمرار.
الملفت في هذه النظرية، هو التركيز على فكرة التوازن حتى في تلقي الخبرات الجديدة وتأثيرها في نمو الذكاء عند الفرد خاصة الأطفال. بالإضافة إلى التنويه على جانب التكيف واعتماده على عمليتين رئيسيتين وهما التمثيل والاستيعاب.
وإليك المشهد التالي:
عندما تعلم الأم طفلها كلمة "عصفور" وتربط في ذهنه مبدئياً أنه يطير. فبينما كان في الحديقة رأى فراشة تطير وقال الطفل على الفور: أن هذا عصفور يطير، فماذا برأيك سيكون رد فعل الأم الأنسب؟
على الأم أن تقوم بتغيير المفهوم لدى طفلها، وإكسابه معنى جديد فتخبره بأن هذه فراشة وليست عصفوراً.
ففي المرة القادمة سيفرق الصغير بين الفراشة التي تطير أو العصفور، فليس كل ما يطير عصفور. وبذلك يستوعب الطفل ما تعلم بالفعل وهذا ما يطور ذكائه مع كل خبرة ومعلومة جديدة يكتسبها، ولكن بالتوازن وبما يتناسب مع فهمه وقدراته.
أما بالنسبة لنظرية جيروم برونر في النمو المعرفي، يقدم برونر دور اللغة كأساس في النمو المعرفي والتي وضعها في كتابه للتدريس (Towards Theory of Instruction).
وذكر نقاط عديدة مهمة في هذا الجانب، ولكن من أبرزها أن استخدام اللغة هي التي تسهل عملية التعلم، وبالتالي التدريس وعلاقتها المباشرة بالنمو العقلي السليم لدى الطفل خاصة في إطار التعليم كمتعلم وصلته بالمعلم.
أما في نظرية جانييه في النمو المعرفي.
فهو قام بتفسير النمو المعرفي بناءً على نمط التعلم التراكمي، وبمعنى أوضح أن الطفل الذي يتعلم إمكانات وقوانين جديدة ينمو لأنه يتعلم؛ فتتراكم المفاهيم وتزداد تعقيدا مع الخبرات المتزايدة وهو ما ينمي ذكاء الطفل ويكسبه المهارات المطلوبة. فالتعليم بنظر جانييه لها أثر مباشر ورئيسي في نمو الطفل.
النمو الأخلاقي
الأخلاق هي السلوكيات والصفات المركبة التي تحكم العلاقات مع الآخرين ونموها مما يعني نمو شخصية الفرد وتميزها، وتعتبر من أهم جوانب النمو الاجتماعي عند الأشخاص في المجتمع الواحد.
وكان للعالم بياجيه رأياً فيها ووجه حديثه مباشرة إلى الأطفال في أعمار مختلفة.
مثلاً الأطفال في سن العاشرة وأقل ينظرون على أن المبادئ والقواعد الأخلاقية، كالتسامح والعطف عبارة عن أشياء ثابتة لا يمكنهم تغييرها ويكتسبونها من سلوكيات الكبار.
أما الأطفال الأكبر سناً أو فئة المراهقين يعتبرون أن الأخلاق غير ثابتة ومطلقة وإنما وسيلة للتعامل مع الكبار، وتبنى بناءً على أهدافهم فنظرتهم تصبح في الغالب واقعية ونسبية أكثر.
وإضافة إلى ذلك قدم العالم لورنس كولبيرج مجموعة قصصية عن بعض المشاهد الأخلاقية وكيفية التصرف بناءً على الخلق، فجاءت نظريته للتطور والنمو الأخلاقي اعتمادا على التفكير الأخلاقي.