حث الإسلام على الزواج وشجع عليه لما فيه من صون للنفس واشباع للغريزة البشرية بطريقة شرعية تحافظ على عفة المجتمع من الوقوع في الرذيلة و حفظ للأنساب من الإختلاط و وقاية من الكثير من الآفات الجسمية و المجتمعية إذ قال الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم/21]
ووردت مشروعية الزواج المبكر في الإسلام وقد ظهر ذلك بدايةً من خلال زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها، وهي بنت ست سنين، وبناؤه بها وهي بنت تسع سنين، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست، وبنى بي وأنا ابنة تسع).
وفي قول الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الْلآتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء/127]. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك.[متفق عليه]
وقد اشتُهِرَ الزواج المبكر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غير نكير، فلم يكن ذلك خاصًّا بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم كما يتوهمه بعض النّاس، بل هو عام له ولأمته.
فالإجماع الذي نُقِلَ عن كثير من أهل العلم جواز تزويج الصغيرة البالغة، وأن الذي يتولى تزويجها أبوها.
وقال البغوي في فتح الباري": أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم، وإن كُنَّ في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهنَّ إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال. "
وقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.) [رواه البخاري ومسلم ]
فمعنى الباءة في اللغة: الجِماع مشتقَّة من المباءة وهي المنزِل، وأصله الموضع الذي يتبوَّؤه ويأوي إليه، ومنه مباءة الإبل وهي مواطنها، ثمَّ استعير لعقد الزواج؛ لأنَّ من تزوَّج المرأة بوّأها منزلاً.
أمَّا الباءة في الحديث فقد اختلف العلماءُ في مرادها على قولين مشهورين يَصُبَّان في معنى واحد:
- القول الأول:
راعى الجانب اللغوي وهو الجماع، فجاء تقديره للحديث على الوجه التالي:
" من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن الزواج فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤن الزواج فعليه بالصوم ليقطع شهوته، ويَحدَّ منيه، كما يقطعه رضّ الخصيتين وهو الوجاء".
-
القول الثاني:
راعى جانب أسباب الجماع ومؤن النكاح فسميت الباءة باسم ما يلازمها، فكان تقديره للحديث على ما يأتي "من استطاع منكم على أسباب الجماع ومؤن النكاح المادية من المهر والنفقة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم لقطع شهوته"
[1] وحمله على المعنى الثاني وهو القدرة على مؤن الزواج لا على الوطء أصحُّ لسببين:
١. أنَّ الخطاب توجَّه للشباب القادر على الجماع؛ لأنّ الغالب فيهم وجود قوة الداعي إلى الوطء بخلاف الشيوخ، والغالب يقوم مقام الكلّ ولا عبرة بالنادر.
٢. لأنّ العاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لقطع شهوته، فكان معنى الاستطاعة في الحديث القدرة على تكاليف الزواج ونفقته لا على القدرة على الوطء حملاً لكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على التأسيس وهو أولى رتبةً من التأكيد.
ولا مانع من حمله على المعنى الأعمِّ بأن يُراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج على ما ذكره الحافظ ابن حجر ‑رحمه الله‑.
بما أورده العلماء من فتاوى لم يُحدد الإسلام سننًا محددة للزواج فالقدرة المادية و الجسمية هي المحدد فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر و لا ضرار) [حديث حسن]
إلا أنه في العموم التأخير في تزويج البنات مخالف لما درج عليه عمل المسلمين؛ وذلك لتأثير الثقافات الأخرى والقوانين الوضعية على المجتمع المسلم والتي بدورها أثرت على دور الأنثى وقدرة الرجل ونظرتهما للزواج.
ولا شكّ أن لهذا التأخير أثر على الفرد والمجتمع على حد سواء، فقد نتج عنه انتشار السفور والفواحش، وظهور الانحراف في الخلق والدين بين الشباب، وعدم الاستقرار النفسي لديهم، لفقدهم السكن والمودة والعفة والإحصان، كما أن في التأخير تقليلاً لنسل الأمة.
ولنوفّق بين الأقوال السابقة التي وردت علينا أن نفهم مقصد الشارع من هذا التشريع، فالإسلام دين عملي واقعي يهدف إلى الحفاظ على المجتمع المسلم محصّن ونقي وقويّ؛ ليصل إلى الغاية التي خُلقَ لأجلها الإنسان، وهي عبادة الله تعالى، وعمارة الأرض، وحيث أنَّ هذه الغاية تحقيقها يحتاج إلى عدة وسائل ومنها التزاوج جاء الإسلام لينظّم العلاقة بين الذّكر والأنثى، ويضعها في نصابها الصحيح الذي يضمن لكلٍّ منهما حقوقه ويعرّفهم بواجباتهم، ويبني تلك العلاقة التكاملية التي ترقى بالأسرة إلى أعلى درجات الوئام والمودة والرحمة والتفاهم، وبالتالي تحقيق الاستقرار النفسي والفكري والجسدي فينعكس ذلك على المجتمع والأمة الإسلامية.
وأخيرًا وبالرغم من هذا الأثر العظيم للزواج وما انتهجه النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين من بعده من تحصين المجتمع بالزواج المبكر إلا أنه لم يصدر تشريعًا واضحًا أو حكمًا قطعيًأ بتحديد سن معين للزواج وإلزام الشباب به، وترك لهم الأمر في تحديده بناءً على قدرة الرجل الجسدية والماديّة كما وضحنا سابقًا ووعي الأنثى بعِظَم الدور والمسؤولية الذي ستحملها.
فنستنتج أنّ الإسلام مع الزواج المبكّر إن كان الرجل قادر والمرأة واعية وقادرة.
[1] النووي / شرح مسلم (٩/ ١٧٣)، لابن حجر/ فتح الباري (٩/ ١٠٨).