السامري كان رجلاً مؤمناً بموسى عليه السلام وقد شاهد معجزات الله تعالى في شق البحر وإغراق فرعون وجنوده، كما شاهد رفع الجبل فوق رؤوسهم كأنه ظله، ولكنه أراد الافتراء والكذب على الله وعلى رسوله موسى عليه السلام، حيث استغل ذهاب وغياب موسى عليه السلام عندما ذهب ليكلم ربه، فصنع لهم عجلاً من الذهب التي كان محرماً على بني إسرائيل.
- فقام السامري بتضليل قومه فعبد كثيرٌ منهم العجل ضلالاً وكفراً، وقد نهاهم هارون عليه السّلام نهياً شديداً عن ذلك، ثمّ جاء موسى ليفاجأ بهذا المشهد وليلقي الألواح التي كتبت عليها شرائع التّوراة،
- فكانت عاقبة الله تعالى للسامري هو غضب الله على المفتري وضربه بالذلة في الدنيا.
فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ * وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ سورة الأعراف (152-153)
- ومع قبح فعلهم فظاعة جرمهم وعندما قد فتح الله تعالى لهم باباً للتوبة وأخذوا يلهجون باستغفار الأنبياء، ﴿ لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين ﴾.
- فأمرهم نبيهم موسى - عليه السلام - بالتوبة التي من لوازمها قتل النفس بأن يقتل بعضهم بعضًا كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم ﴾.
- قال الإمام الزهري: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم، قالوا: يا نبي الله، ادع الله لنا. وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم، بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله، جل ثناؤه، إلى موسى: ما يحزنك؟! أما من قتل منكم فحي عندي يرزق، وأما من بقي فقد قبلت توبته. فسر بذلك موسى، وبنو إسرائيل. رواه ابن جرير بإسناد جيد كما قال ابن كثير.
- فكان عقاب السامري من جنس عمله! قال تعالى: ﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ﴾؛ فكما أخذت ومسست ما لم يكن أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا الطرد والإبعاد وأن تقول: ﴿ لا مساس ﴾؛ أي: لا تمس الناس ولا يمسونك، عقوبة عزل وإعلان دنس المدنس؛ فلا يقربه أحد ولا يقرب أحدا. أما الموعد الآخر فهو موعد العقوبة والجزاء عند الله - سبحانه -.
- ثم قام موسى عليه السلام بإحراق ذلك العجل أمام نظر عبّاده المفتونين وذرّاه رمادًا في البحر حسمًا لمادة الفتنة، وقطعًا لعلائقها في القلوب. وبذلك تنتهي تلك الفتنة العمياء على يد نبي الله وكليمه موسى - عليه السلام -في علاج ناجع يحمل في ثناياه الصبر على المدعوين، والقرب منهم، ومتابعة أحوالهم، واحتمال نكستهم، والحرص على دينهم، وحسم مواد الشرك دونهم، وحسن تنقيح مناط الخلل، ومعرفة أسبابه، ومناقشة أطرافه، وتنقية المجتمع من رموز الفساد، وفتح باب التوبة لكل مذنب، وعدم تقنيطه من رحمة الله.
- وقد تاب الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل حيث كانت توبة من عبدوا العجل أن يقتلوا بعضهم بعضاً.
- وهذه القصة (قصة السامري وصنعه لعجل بني إسرائيل) كانت مباشرةً من بعد معجزة انشقاق البحر الأحمر بعصا سيدنا موسى عليه السلام وهلاك فرعون وجنده، ونجاة بني إسرائيل منه ووصولهم إلى الضفة الأخرى من البحر أمام ناظريه.
- وحري بالمسلم أن ينشغل بما هو أهم له في دينه ودنياه من البحث عن مثل هذه الأمور فالغرض من القصص القرآني هو :
1- مواساة وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً له على دعوته.
2- عبرة وموعظة للفئة المؤمنة لينظروا كيف كان هلاك الظالمين والمشركين والكافرين الذين لم يؤمنوا بالله تعالى ولا برسله .