وردت قصة حيوان العجل ( ابن البقرة ) مع بني اسرائيل في القرآن الكريم في 8 آيات كريمة، هي: من سورة البقرة الآيات الكريمة: 51، 54 ، 92 ، 93 ، ومن سورة النساء الآية: 153 ، وكذلك سورة الأعراف: الآيتين 148 و 152 ، وسورة طه الآية: 88 .
فكيف بدأت القصة؟
تبدأ القصة منذ خروج سيدنا موسى عليه السلام بقومه بني اسرائيل من مصر هروباً من بطش فرعون، حيث قام بنو اسرائيل بأخذ الكثير من الحليّ والذهب معهم، ثم بعد أن عبروا البحر ورأَوْا بأعينهم معجزة انشقاقه وعبورهم اياه وهلاك فرعون غرقاً فيه، رؤوا قوماً من الوثنيين يعبدون الأصنام والتماثيل، فأعجبوا بهم وبعبادتهم ونسوا فوراً كل تعاليم سيدنا موسى عليه السلام بتوحيد الله وتنزيهه عن كل تمثال وصنم!
فطلبوا من سيدنا موسى عليه السلام أن يجعل لهم آلهةً على شكل تماثيل وأصنام كما لهؤلاء الوثنيين!!
فنهاهم سيدنا موسى عليه السلام وزجرهم وحذرهم، وذكرهم بنعمة الله لهم بأن نجاهم من فرعون وجنده، فتوقفوا عن مطالباتهم وسكتوا ولكن يبدو أن في صدورهم عدم ايمان كامل صادق، لذلك ما إن واتتهم الفرصة حتى نفذوا رغبتهم وصنعوا تمثالاً من عجل وعبدوه.
فقد استغلوا فترة غياب سيدنا موسى عليه السلام حين ذهب لملاقاة ربه في مُدّة المعاد، الذي واعد الله فيه موسى ليكلمه وينزل عليه الألواح، وكانت مدة هذه الفترة في البداية ثلاثين يوماً ثم صارت أربعين يوماً، وكان سيدنا موسى عليه السلام جعل أخاه سيدنا هارون عليه السلام نائباً عنه على بني اسرائيل طوال مدّة غيابه.
فتقدم رجلٌ من بني اسرائيل يسمى "السامري" كان ماهراً في المواهب الحرفية الفنية، ولم يكن مؤمناً وإن ادّعى ذلك، وكان احتفظ ببعض التراب الذي فيه أثرٌ مبارك ( يُقال أنه أثر سيدنا جبريل على الأرض يوم أغرق فرعون ) وطلب من بني اسرائيل أن يحضروا له كل الذهب والحليّ الذي سبق وأحضروه حين خرجوا من مصر، بحجة أنه يجب التخلص من هذا الذهب كفارةً لهم على سرقته من أهل مصر، فجاؤوا به إليه فجمعه وصهره في دررجات حرارة عالية حتى انصهر وأعاد تشكيله على شكل عجل، أي صنع من الذهب تمثالاً كبيراً على شكل عجل،
ثم رمى عليه التراب الذى أخذه من الأثر المُبارك، ثم جعل له فتحة في أمامه وفتحة في آخره، وبطريقة فنية متقنة تمكن من جعله يصفر ويصدر صوتاً كلما دخلت إليه الرياح، وكأن العجل نفسه يُصدر الخُوَار ( صوت العجل الحقيقي ) مما أوهم الجهلاء من بني اسرائيل أن العجل الذهبي حقيقي وفيه قوى خارقة!
وهنا استغل " السامري" الأثيم جهل هؤلاء وضعف ايمانهم فأقنعهم أن هذا العجل الذهبي هو ربهم ورب موسى الذي يأمرهم بعبادته!! وبالفعل أعجبهم وعبدوه وأُشربوا حبه، ولم يدركوا أنه مجرد صنمٌ مصنوع، لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً.
موقف سيدنا هارون عليه السلام:
يجب أن نتذكر أن بني اسرائيل يومئذٍ كانوا كثراً وأسباطاً متعددة، ولذا لما قام سيدنا هارون عليه السلام ليعظهم ويذكرهم بالله تعالى ويحذرهم من عبادة هذا العجل كانوا أكثر منه قوة ومَنَعة، فقالوا له: " اذهب فإنا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى"
وبعد أن حاول نُصْحهم كثيراً ولم يستجيبوا له خشيَ أن يتفرقوا لفريقين يقتل بعضهم بعضاً وتحدث بينهم فتنة، ففضّل انتظار عودة سيدنا موسى عليه السلام ليقضيَ في أمرهم بما يأمره الله عز وجل.
ماذا فعل سيدنا موسى عليه السلام حين علم ؟
أخبر الله تعالى نبيه موسى عليه السلام - وهو لا يزال لم يعد لقومه - بما حدث معهم وعبادتهم للعجل من بعده، ولكن ليس الخبر كالمعاينة! فإن سيدنا موسى عليه السلام لما عاد لقومه بعد 40 يوماً ورآهم يعبدون العجل تملّكه الغضب الشديد، حتى أنه رمى الألواح التي فيها تعاليم الدين على الأرض!
وأمسك بأخيه سيدنا هارون أولاً يعاتبه بقوة، قال تعالى: " وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* "
وبعد هذا الرد من سيدنا هارون تفهم موسى عليه السلام موقفه وقبل حجته ودعا له: " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "
ثم اتخذ سيدنا موسى عليه السلام عدة قرارات وأحكام:
بالنسبة للعجل الذهبي الذي عُبد من دون الله أمر عليه السلام بتحريقه ونسف رماده في البحر أمام عيون بني اسرائيل حتى يُريهم أنه ليس بإله ولا يقدر أن يدفع عن نفسه، قال تعالى: " وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً "
وأما "السامريّ " نفسه فكانت عقوبته أن يطرد من بني اسرائيل ويتيه وحده بعيداً ، ولا يمسَّ أحداً ولا يمسُّه أحد، ( قيل أن معنى ذلك أنه أصيب بمرضٍ جلديّ يقرف ويشمئزُّ منه الناس فلا يقربونه ) بالإضافة لتوعده بالعذاب الشديد في الآخرة، قال تعالى: " قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ "
أما بنو اسرائيل فكانت عقوبتهم أن يُقتل من آمن بذلك العجل وعبده، وحكم الله عليهم بأن يتوبوا إليه وآلية قبول توبتهم أن يقتل بعضهم بعضاُ.
العجل في كل زمان:
القَصَص القرآني لم يُذكر عبثاً ، ولا لمجرد سرد الأحداث والتاريخ، بل لأجل أن يأخذ كل مسلمٍ منه العبرة والعِظة ، فعجل بني إسرائيل هو دلالةٌ على كل ما يعبد من دون الله، أو يُبعد عن الله، كالمال، وحب الرئاسة والجاه، وما شابه.
فليحذر المسلم أن يقلد بني إسرائيل بعبادة عجل هذه الأمة، أيْ الدنيا، أو يتنافسوا فيها.
وللعلم ورد لفظ ( العجل ) في آيتين أخريين في القرآن الكريم بمعنىً آخر تماماً، هما الآيتان: 69 من سورة هود ، والآية 26 من سورة الذاريات، حيث وردت فيهما بمعنى العجل الحنيذ الذي شواه سيدنا ابراهيم عليه السلام إكراماً لضيوفه قبل أن يعلم أنهم من الملائكة.